فلسطين أون لاين

لا تقلقي سيفهمها مع الوقت

قولي لرضيعك "لا" إذا فتح "خزانة"..

...
غزة - خاص / فلسطين أون لاين

تهمل "سلمى" تماماً فكرة أن تضيع وقتها في نهي ابنها ذي العام والنصف عن فعل الأشياء التي تزعجها كفتح جوارير المكتب وإخراج الحاجيات من أوراقٍ وأقلام، أو اقتحام خزائن المطبخ وتخريب محتوياتها، وأحياناً كسر بعض المقتنيات فيها من أكوابٍ زجاجيةٍ وصحون، ذلك بدعوى أنه "صغيرٌ لا يفهم بعد كلمة لا".

ومثل "سلمى" آباءٌ كثيرون، يحاولون تأجيل الحديث مع أبنائهم الرضع حتى يكبروا، فتصير أعمارهم فوق العامين على الأقل، مع العلم أن بإمكان الأطفال الرضع الاستيعاب أكثر بكثيرٍ مما يعتقد الأهل، بل إنهم –كما يؤكد أخصائيو علم نفس عالميون- يستطيعون التوافق مع مشاعر الأشخاص المحيطين بهم كإحدى غرائز البقاء.. متى يفهم الطفل كلمة "لا"؟ هذا ما يجيب عنه رئيس مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات بغزة د.درداح الشاعر، الذي أكد أن النمو المعرفي للطفل يبدأ مع بداية اليوم الأول لميلاده:

مرفقة بنغمة وإيماءة

ويقول د.الشاعر :"يستطيع الطفل الرضيع فهم كلمة –لا- من أمه على أنها تلعب معه بادئ الأمر، فلا يأخذ فيها ويستمر في لعبه وإثارته للفوضى سيما قبل مرحلة المشي، لكن الكلمة تبدأ شيئاً فشيئاً بالمرور إلى فهمه لتصبح واضحةً له تماماً في عمر العامين ونصف لو أُرفقت بتعابير وجهٍ معينة ونظراتٍ حازمة (ولا نقصد عقد الحاجبين)"، مبيناً أن كلمة "لا" الناهية عن فتح الجوارير على سبيل المثال ستكون أول الإشارات التي قد يفهمها الطفل في عمر ما قبل العام "وحتى إن لم يستجب، لكن الكلمة ونغمتها بالنسبة لسمعه ستكون رادعةً له ولو لفترةٍ بسيطة".

وتساعد نغمة الصوت الرضيع على فهم السلوك المحبب من غير المرغوب به، فعندما تقول الأم لطفلها "لا" وهو يحاول لمس صحنٍ ساخن سيفهم الطفل ولو بشكل جزئي أن خطباً ما في الأمر، ذلك بفعل الثقة الفطرية بأن أمه تحبه.

ويشير د.الشاعر إلى أن الطفل يبدأ في تعلم ما يقوله أبواه منذ يومه الأول خارج الرحم، حتى وإن لم يفهم مغزى الكلمات فإنه سيدرك ولا شك المشاعر فيها "الحب، والغضب، والنهي، والرفض"، ويبدأ التفاعل الفعلي مع الأم أو الأب بعمر النصف عام من خلال إشارات اليد وإيماءات الوجه، فيرفع على سبيل المثال يده طالباً أن يحمله أحد، وقد يفهم المعنى الأوّلي لكلمة "لا" في عمر الثمانية أشهر.

المخزون المعرفي

وأكد أنه من الخطأ فعلاً إهمال الأم لتنبيه طفلها إلى دلالات الألفاظ في عمر الرضاعة، "فذلك سوف يتسبب في تأخر فهمه المستقبلي، وتأخر تفاعله واستجابته لرسائل أمه سيما فيما يتعلق بالأمور التي لا ترغب الأم منه فعلها مستقبلاً".

ويزيد :"منذ الولادة، يبدأ الطفل ببناء مخزونٍ من المعلومات يراكم فيه المعاني بشكلٍ يومي، ويعتمد في أشهره الأولى كرضيع في الفهم على تعابير وجه الأم ونبرة صوتها وسرعة تنفسها، فيعرف إن كانت راضيةً عن فعلته في فتح خزانة المطبخ مثلاً أو لا، فتصبح استجابته التالية لنفس الكلمة في مواقف مشابهة تعتمد على تطور الذاكرة لديه، فيتمكن من فهم المغزى حتى ولو بشكلٍ غير حرفي".

وعاب على كثير من الآباء ظنهم بأن الطفل الذي لا يتكلم "لا يفهم الأحاديث حوله"، قائلاً :"الطفل الرضيع يستطيع التعبير عن نفسه بسهولة من خلال هز رأسه رفضاً لطعامٍ معين أو تحريك يديه وداعاً لأمه مثلاً، فإن ترافق كلام الوالدين (لفظ لا مثلاً) مع حركة يد، فإنها ستعطي الطفل تدريباً واقعياً ليفهم ما يريدانه منه، فيحقق بذلك التواصل المطلوب".

وساق على ذلك مثالاً عملياً عندما قال :"لنفرض أن لدينا طفلا عمره عشرة أشهر، كان يكتفي بالبكاء عند الجوع، فإذا عرفت أمه أنه يبكي جوعاً فلتجرب أن تضع يدها على بطنها وتخاطبه :أنت جائع؟ جائع؟، ثم تقدم له الطعام، ولتكرر هذه الفعلة على مدار وقت، ستكتشف بعد فترة أن طفلها عندما يجوع سيضع يده على بطنه بشكلٍ تلقائي"، معلقاً على ذلك :"الرضيع قادر على الفهم، وإهمال توجيهه من البداية سيعود على أهله بصعوباتٍ تربوية قد يطول تعديلها".

وحذر د.الشاعر الأبوين من مغبة تكرار "النهي" المتمثل بكلمة "لا" بشكلٍ يزيد عن الحد عند أي تصرفٍ قد يفعله الرضيع، فذلك من شأنه أن يرسل لعقله رسائل تخبره بأنه "محاصر" وهذا مردوده سلبي على شخصية الطفل التي يفترض أنها تبدأ بالتكون منذ أول يومٍ من ميلاده، مطالباً الأهل بضرورة تهيئة أماكن تتوفر فيها شروط الأمان للعب بالذات للأطفال كثيري الحركة.