لم تعد الأزمة السياسية الفلسطينية التي كانت قائمة قبل عقد مجلس المقاطعة الانفصالي لدورته الـ23 برام الله، هي ذاتها بعد عقده دون مشاركة الكل الوطني، فالانقسام الذي كان بين فتح وحماس أصبح بعد دورة المجلس الأخيرة على نطاق واسع وطال منظمة التحرير الفلسطينية، كما يرى محللان سياسيان.
وأمام هذه الأزمة، يبقى التساؤل حول تداعيات الأزمة الحاصلة نتيجة عقد المجلس الانفصالي بشكل انفرادي، على المشهد السياسي والقضايا التي كان يحدث حراك فيها كالمصالحة والإطار القيادي واجتماع بيروت، وسبل الخروج من الأزمة؟
تأزيم المشهد
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، أن الأزمة السياسية التي يعاني منها الفلسطينيون ليست جديدة، لكن المجلس الانفصالي الذي عقد بشكل انفرادي أضاف فصلًا آخر من فصول الأزمة السياسية، يتعلق بعجز الفلسطينيين عن تحقيق البرنامج والمشروع الوطني، المسؤول عنه بالدرجة الأساس مسار "أوسلو" الذي ساهم في تحقيق الأزمة وكان مفترضًا أن ينتهي العمل به.
ويقول عوكل لصحيفة "فلسطين": "أصبحنا نشك في إمكانية تحقيق الحد الأدنى من المشروع الوطني"، مبينًا أن المظهر الثاني للأزمة هو استمرار الانقسام ومفاعيله خلال 12 عامًا، وهذا ساهم في إضعاف الوضع الفلسطيني، وتعميق أزمة المشروع الوطني.
ومع عقد المجلس الانفصالي تضاف حلقة جديدة من حلقات تأزيم المشهد السياسي الفلسطيني، من خلال الخلاف الدائر بعد عقد المجلس، ما يعمق حالة الانقسام ويضعف الوضع الفلسطيني، ويزيد لذلك الانقسام المعروف انقسامًا جديدًا في منظمة التحرير، بحسب عوكل.
وأكد أن التداعيات السابقة تؤثر في شرعية منظمة التحرير وشرعية قياداتها، إذا ما كانت تمثل الكل الفلسطيني أم لا، منبهًا على أنه بعد عقد اجتماع مجلس المقاطعة الانفصالي تعمقت الأزمة وأصبح الجميع أبعد عن إمكانية تحقيق المصالحة واستعادة الوحدة، ما يعني مزيدًا من التشرذم والضعف للحالة التي يفترض أن تواجه مخاطر كبيرة مثل "صفقة القرن"، خاصة أن هذا الوضع سيسهل على الاحتلال فرض مخططاته على الفلسطينيين سواء قبلوا بذلك أم لا.
وبالتالي لم يعد الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس فقط، والكلام لعوكل، بل أصبح انقسامًا على نطاق أوسع وانقسامًا بداخل منظمة التحرير، بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفصائل أخرى وازنة مثل الجبهة العربية والقيادة العامة والصاعقة التي كانت جزءًا من المنظمة، هي الآن خارج الحسابات كما فصائل كبيرة كحماس والجهاد الإسلامي وحركات إسلامية، الأمر الذي يؤشر لعمق الأزمة الحاصلة.
ولفت إلى أن هناك خيارًا واحدًا للخروج من الأزمة وهو الوحدة، لسبب بسيط؛ وهو تحقيق صمود الفلسطيني على الأرض لخوض الصراع المفتوح مع الاحتلال؛ لأنه لا يوجد إمكانية لتحقيق دولة مستقلة في الوقت الراهن، وأي خيارات أخرى سيكون عليها خلاف باعتبار أن الكل متفق على القدس واللاجئين والاستيطان ومسيرات العودة والمقاومة الشعبية، متسائلًا: "فلماذا يتعمق الخلاف طالما هناك اتفاق على قضايا جامعة؟".
استمرار الإقصاء
ولا يختلف رأي الكاتب والمحلل السياسي د. هاني حبيب عن عوكل، بأن انعقاد المجلس الانفصالي دون وجود الكل الوطني والفصائل الأكثر تأثيرًا كحماس والجهاد والجبهة الشعبية يقود لانقسام يمتد لمنظمة التحرير، باعتبار أنها يجب أن تمثل كل شرائح الشعب الفلسطيني وفئاته.
ويقول حبيب لـ"فلسطين": "إن الإقصاء وإبعاد الفصائل المؤثرة ذات الشعبية الواسعة بأن يكون لها ممثلون في المنظمة سيترك آثاره على الجهود الرامية لإنهاء الانقسام، ما يشكل عاملًا بالغ الخطورة ويضع عقبات كبيرة أمام المصالحة".
وبشأن مصير قضايا (المصالحة، الإطار القيادي للمنظمة المؤقت، اللجنة التحضيرية في بيروت، البرنامج والاستراتيجية الوطنية) بعد عقد المجلس الانفصالي، بين أنها لم تعد قائمة من وجهة نظر قيادة المنظمة، وحتى المصالحة التي لا بد منها بات أمامها عقبات أكثر بكثير مما كانت عليه قبل المجلس.
وأوضح أن ذلك كله يتطلب حراكًا شعبيًا للضغط وعدم تكريس مخرجات المجلس الأخير على صعيد الإبعاد والتفرد، باعتبارها فرضت عنوة على الشعب، من أجل إعادة الاعتبار للرأي العام بحيث تصبح المنظمة بكل تشكيلاتها ممثلة لفصائل العمل الوطني والإسلامي ومؤسسات المجتمع المدني.
ونبه إلى أن تداعيات الأزمة كانت قبل عقد دورة المجلس وستمتد بعدها، خاصة أن القرار الفلسطيني كان يؤخذ بشكل فردي ومن جانب واحد في اجتماع المجلس المركزي واللجنة التنفيذية من قبل رئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس ويفرضه على الآخرين، لافتًا إلى أن الهيئات الجديدة أكثر موالاة لعباس، ما يعني حالة الإقصاء والتفرد ستبقى مستمرة أكثر من أي وقت مضى.

