جاء مفهوم يهودية "دولة" الاحتلال ليدفعنا من جديد إلى إعادة قراءة حساباتنا، وتقويم المفاهيم التي رُسّخت في الأذهان خلال سنوات ذلك الصراع العربي الإسرائيلي، لترسيخ الاحتلال والاستيطان وصولًا إلى يهودية الدولة لطمس الهوية العربية والإسلامية، ما يتيح لكل اليهود القدوم للأراضي المحتلة، ويمنع الفلسطينيين من حقي العودة وتقرير المصير، بل إن ما جاء به هذا القانون هو اقتصار حق تقرير المصير على اليهود فقط، الأمر الذي يمهد للتخلص من "الأقليات غير اليهودية"، وتلك النظرية يؤيدهم بها صهاينة العرب بفكرة تبادل أراضٍ أو مشروع توطين بسيناء، المقصود سكان الجليل وفلسطينيي عكا وحيفا ويافا واللد والرملة والسبع والنقب المتمسكين بأوطانهم من النكبة، وتحملوا المرين بصمودهم، وهم شوكة بحلق الصهاينة، يبتدع الصهاينة كل المؤامرات للتخلص منهم، كما يتآمرون على أهل القدس والضفة؛ فهم يريدون الأرض دون أهلها.
إن إعلان الاحتلال يهودية وقومية "الدولة" معنى ذلك أن هذه "الدولة" يهودية الوجه واللسان، ويجب ألا تخالط أي جنسية أخرى من غير اليهود، هذا القانون يهدد الوجود الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية، لذلك يجب مواجهته، وقد تزامن إقرار مشروع هذا القانون وذكرى تأسيس كيان الاحتلال والاستيطان في منتصف هذا الشهر، أيضًا يحمل دلالات واضحة، أهمها عنصرية "الدولة"، ويلغي عنها صفة الديمقراطية، عندما يفرق بين سكانها على خلفية دينية وعقدية تلمودية، فمن جهة عد مشروع القانون الفلسطينيين في الداخل المحتل "ليسوا من سكان الأرض الأصليين، بل هم يوجدون داخل (إسرائيل)، ولا حق لهم في التدخل في (إسرائيل)، ولا في تشريع القوانين التي تخص الشعب اليهودي فقط".
وبعبارة أوضح إن الفلسطينيين _وفق مشروع أو اقتراح هذا القانون الجديد_ "هم ليسوا من السكان الأصليين"، وإنه يمكن طردهم في أية لحظة من أراضي الـ(48) تحت حجج وذرائع دينية، كما حصل مع الفلسطينيين أصحاب البلاد الأصليين في عام ١٩٤٨م عندما هجروا بالقوة من ديارهم ومدنهم وقراهم، واستبدل بهم المهاجرون اليهود من مختلف بلدان العالم، عملًا بمقولة بلفور: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، والحقيقة كانت: "وعد من لا يملك لمن لا يستحق".
ودلالة أخرى على عنصرية مشروع هذا القرار أنه يسقط اللغة العربية من لغة رسمية إلى لغة لها مكانة خاصة أو منعدمة، وربما تصبح ممنوعًا التحدث بها نهائيًّا في دولة التهويد، مقدمة للتهويد والأسرلة بالقوانين العنصرية اللاحقة، بعد أن فشلت كل المحاولات الإسرائيلية لفرض التهويد والأسرلة على أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني، من طريق مناهج التعليم، وغيرها من المحاولات التي باءت بالفشل بفعل صمود أبناء شعبنا هناك، ورفضهم هذه الإجراءات العنصرية.
فكل الدلائل تشير إلى أن "دولة" الاحتلال "دولة" تمييز وفصل عنصري، خاصة مع ممارساتها وانتهاكاتها اليومية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧م، والقوانين والإجراءات التي تحاصر الجماهير الفلسطينية في الداخل على صعيد مصادرة الأراضي، والتشغيل، والتعليم في عدد من الحقول والدراسات، وغيرها، على خلفية دينية وقومية وعلى خلفية اللغة.
إن هذه القوانين التي تسنها حكومة المستوطنين الإسرائيلية بين الفينة والأخرى في طريقها لتحويل الكيان العبري إلى دولة يهودية خالصة، وبذلك يصبح الفلسطينيون لا مكان لهم في أراضي الـ(48)، وعليهم الرحيل إما طوعًا أو بالقوة، وهذا بدوره سيؤدي إلى إحداث هجرة فلسطينية جديدة على مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي سيكون التاريخ شاهدًا على تخاذله وصمته باتباعه سياسة الكيل بمكيالين، والمفروض أن من واجب المجتمع الدولي لجم هذه العنصرية واليمينية المتطرفة من قبل حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو، لأن آثارها وانعكاساتها لن تطال فقط الفلسطينيين والعرب، بل العالم بأسره.