فلسطين أون لاين

​كانت بصمتهم واضحة في مسيرات العودة

عمال على الحدود.. اختلفت الحكاية وتشابهت المعاناة

...
شبان يشاركون في مسيرة العودة شرق غزة (تصوير / رمضان الأغا)
غزة / نور الدين صالح - يحيى اليعقوبي

بينما انشغل عمال العالم بتنظيم الاحتفالات ابتهاجًا بالأول من أيار الذي يوافق يوم العمال العالمي، كان لعمال فلسطين في قطاع غزة، كلمتهم الخاصة وبصمتهم الواضحة خلال مشاركتهم أمس في "جمعة عمال فلسطين الصامدين" خلال مسيرات العودة، للتعبير عن تمسكهم بهذا الحق الذي لم يتعرض للذوبان في أذهانهم رغم كل ما تعرضوا له من مآسٍ حياتية.

وانطلقت مسيرات العودة في الثلاثين من الشهر الماضي، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ42 ليوم الأرض الفلسطينية، فيما من المتوقع أن تصل ذروتها في الخامس عشر من الشهر المقبل، تزامنًا مع الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية.

لم يبالِ العامل إيهاب وشاح (38 عامًا) لقرص الشمس الملتهب ودرجات الحرارة العالية، وأصرّ على المشاركة في مسيرة العودة الكبرى السلمية في الجمعة السادسة لها التي حملت اسم "جمعة عمال فلسطين الصامدين".

أراد وشاح الذي يعمل في مهنة الحدادة، من خلال مشاركته أن يُعبر عن تمسكه بحق العودة للأراضي المحتلة عام 48، في جمعتهم، رغم الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه كغيره من آلاف العمال الفلسطينيين في قطاع غزة.

يقول وشاح لمراسل "فلسطين"، إنه أصرّ على المشاركة في مسيرة العودة، أملًا بتحرير أرض فلسطين التي اغتصبها الاحتلال الإسرائيلي، رغم الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه.

ويرى أن خيام العودة "الخطوة الأولى" على طريق تحرير فلسطين ورفع الحصار عن قطاع غزة، كونها أربكت حسابات الاحتلال، رغم الوسائل البدائية المستخدمة فيها.

ويؤكد وشاح، على ضرورة الاهتمام بشريحة العمال ومساندتهم، وخصّ بالذكر المسؤولين وأصحاب القرار، سيّما أنه لا يستطيع جلب قوت عائلته، واصفًا واقع العمال بـ "التعيس".

ويوجه رسالة للاحتلال يطالبه فيها بضرورة رفع الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 11 عامًا، والذي ألقى بظلالها المأساوية على كافة شرائح المجتمع الفلسطيني، خاصة العمال.

العامل الآخر كان مهند وادي (40 عامًا) الذي جاء من مخيم البريج حيث يسكن، للمشاركة في خيام العودة السلمية، تمسكًا بحقه في العودة إلى الأراضي المحتلة.

وأثنى وادي خلال حديثه مع مراسل "فلسطين" على خطوة نصب خيام العودة قرب السياج الفاصل الممتد شرق محافظات قطاع غزة الخمسة، مؤكدًا على ضرورة المضي فيها، حتى دحر المحتل عن الأرض الفلسطينية المحتلة.

وثّمن تخصيص الجمعة السادسة لمسيرة العودة لشريحة العمال "المهمشة"، والتي تعاني من أوضاع اقتصادية ومعيشية في غاية الصعوبة، داعيًا جميع العمال للاستمرار بالمشاركة في فعاليات مسيرة العودة.

ويطالب وادي الذي يعيل أسرة مكونة من ثمانية أفراد، بضرورة التحرك من أجل تحسين أوضاع العمال الفلسطينيين.

ظروف معيشية سيئة

وبين جموع المتظاهرين كان العامل الأربعيني ماجد عبيد يشارك في توزيع زجاجات المياه على المتظاهرين، أثناء القاء قوات الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع تجاههم.

ويعمل عبيد في مجال البناء ولكنه متعطل عن العمل منذ 13 عامًا، وبالكاد يحصل على فرصة عمل مؤقتة بين الحين والآخر لأيام معدودات يحاول من خلالها توفير قوته أولاده.

يقول العامل ذو الشعر الأبيض والجسد النحيف لصحيفة "فلسطين": "النسبة الأكبر ممن تراهم أمامك هنا اليوم هم من العمال، فأكثر ما يدفعهم للمشاركة هو حبهم للمقاومة ولوطنهم".

وعلى مقربة من المكان، يجلس المزارع محمود جندية بين موقد النار وإبريق القهوة، بجانب أرضه الزراعية التي أستأجرها لزراعة وإعالة نحو 12 فردًا من أفراد أسرته، يشتكي في حديثه لنا من ضعف فرص العمل، فهذه الأرض التي يجلس بجانبها ويحرسها خوفا من تساقط قنابل غاز أو أي شيء يمكن أن يتلف الزرع من قبل الاحتلال تعيل جميع أبنائه وأحفاده الذين جميعهم متعطلون عن العمل.

انتظار طويل

تحت أشعة الشمس الحارقة، يستند العامل سامر داود على أحد الأعمدة الكهربائية بانتظار من يشتري منه "البزر"، ليعود لأطفاله الأربعة بلقمة تسد جوعهم حتى لو انتظر لعدة ساعات وسط هذه الأجواء الحارقة، وكأنه يستظل بظل الصبر على هذا الواقع.

يتحدث وهو يكتف يديه عن أمنيته، قائلًا: "هي أمنية بسيطة بأن أعيش مع أسرتي بكرامة، وأن ينظر الجميع خاصة الدول العربية لحال العمال والشعب الفلسطيني، ويقوموا بتخفيف هذه المعاناة والمأساة المتواصلة".

التقينا أثناء تجوالنا بين المتظاهرين بمعين الساعي وهو عامل بمجال الدهان والرسم على الفخار والأشغال اليدوية، ما هو واقع العمال؟ يرد على سؤالنا بنبرة صوت هادئة ووجه شاحب علامات البؤس بدت واضحة عليها وكأنه يرسم بتلك التفاصيل معاناة يومية وواقعًا مريرًا وظروفا قاسية تواجه العمال، ويقول: "نعيش الآن في ظرف تحت الصفر، فلدي عشرة أفراد ومنذ سنوات عديدة لم استطع ايجاد فرصة عمل رغم اني عامل حرفة".

مشاهد لافتة

إلى جانب المشاركة العمالية في هذه الجمعة، كان هناك ثمة مشاهد أخرى، كان أبطالها شبانًا ثائرين ومشاركة نسوية لافتة.

تعددت الأدوار بين مجموعات الشبان المتواجدين في مخيم العودة شرق البريج لكّن الهدف واحد، فكان أحدهم يفتت الأحجار الكبيرة إلى قطع صغيرة، وآخرون يعدون الطائرات الورقية الحارقة، فيما ينشغل الجزء الأكبر من الشبان في جلب الإطارات التالفة لإشعالها قرب السياج الفاصل.

الشاب محمود جمعة (25 عامًا) كان يحمل إطارًا تالفًا ويقترب به خطوة تلو الأخرى نحو السياج الفاصل، من أجل إشعاله للتشويش على قناصة الاحتلال، وعدم إطلاق النار صوبهم.

وحين تحدث معه مراسل "فلسطين" عن الدور الذي يقوم به، ردّ بصوت يملأه القوة والحماسة "جئنا هنا من أجل تحرير أرضنا التي اغتصبها الاحتلال من أجدادنا عام 48".

ويؤكد على أن مسيرة العودة سلمية، تهدف إلى استعادة الأرض التي سلبتها العصابات الصهيونية عام 48، مشددًا على أنه سيواصل المشاركة في المسيرات حتى الرمق الأخير.

كان لافتًا حالة التأهب والاستعداد لدى جنود الاحتلال، من خلال زيادة أعداد السواتر الرملية خلف السياج الفاصل، والقناصة الذين يعتلونها، إضافة إلى استخدام طائرة مراقبة صغيرة الحجم، تحلق فوق جموع المشاركين في خيام العودة.

وقبيل الساعة الثالثة، اشعل المتظاهرون عددًا من الإطارات التالفة، وهم يهتفون شعارات تؤكد تمسكهم بحق العودة للأراضي المحتلة، فيما رّد جنود الاحتلال بإطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، صوب المتظاهرين.

في المكان ذاته، كانت السيدة نعيمة اللولو (44 عامًا) تتقدم أكثر نحو السياج الفاصل، حيث تندلع المواجهات هناك.

وتقول اللولو لمراسل "فلسطين"، "جئت هنا، حتى آخذ أرضي من الاحتلال"، مشيرةً إلى أنها تشارك في خيام العودة في كل جمعة.

وتترك اللولو خلفها عائلة مكونة من أربعة أفراد، وفق حديثها، وتأتي للمشاركة في مسيرات العودة، تأكيد على حقها بالعودة إلى الأرض المحتلة.

وتؤكد أنها تعمل على تقديم الخدمات للمتظاهرين المتواجدين قرب السياج الفاصل، خلال مواجهتهم مع جنود الاحتلال.