قائمة الموقع

​أبو أحمد.. "مذيعٌ" يروي لأحفاده "نشرةً مكررة"

2018-05-03T07:35:40+03:00

"كيف نسيت هذا يا أحمد؟! ألا تعلم أننا نخرج كل يوم في هذه المسيرات لنعود قريبًا الي أرضينا المحتلة, إلي ساحات البيت في اسدود!, لربما تكون هذه الجمعة هي جمعة عودتنا للديار, ألا تعلم أنني أنظر إليه يوميًا منتظرًا اليوم الذي أحمله إلى اسدود لأفتح به باب الدار التي هجرنا منها قسرًا".. هكذا كان عتاب الأب لابنه، بينما كانا يسيران في طريقهما من مخيم النصيرات إلى أرض "مخيم العودة" شرقي البريج, والسبب أن الابن نسي مفتاح بيت العائلة في الأراضي المحتلة عام 1948..

شو أحكي!

اليوم يقيم أبو أحمد في أحد مخيمات المحافظة الوسطى, لقد أصبح شيخًا كبيرً, وهو يعمل "مذيعًا" في بيته, ولكن تحول مقعده من أمام البيت الى أرض مسيرات العودة شرق البريج, يتلو على أحفاده طوال اليوم قصصًا أسمعهم إياها "للمرة الميلون", يحدثهم عن طفولته في اسدود, حيث "العز والرز", وعن جمال البيت المطل على البحر.

"كنت سباحًا, ولم أتخلف أبدًا عن أي من المسابقات التي كنا نعدها ونحن صغار, كنت أغطس وأخرج مثل الحيتان".. إنها ذكرياته مع ذلك البحر.

وحين يأتي الحديث عن ذلك اليوم الذي غيّر مسار حياته, وكل الفلسطينيين، للأسوأ, يعتلي وجهه الحزن، يتساءل: "شو بدي أحكي!"، ثم يحكي: "بلاد ضاعت في هذا اليوم المشؤوم , دخل الجنود علينا بلمح البصر, قتلوا كل من أمكنهم قتله, ورب منهم هرب, وأنا هربت يا سيدي أنا وجدتكم وأبيكم".

ويكمل لأحفاده: "تفاءلوا بالخير ما دامت فلسطين تنعم بشباب ثائرين، هؤلاء سيدخلوا إلي أراضينا المحتلة, وسنعود الى اسدود والى المجدل المحتل والى يافا وعكا".

يتحدث "أبو أحمد" لـ"فلسطين" عن مشاركته في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار: "كل يوم نخرج على هذا الحال, نأمل من الله أن نعود الي أراضينا التي هجرنا منها, ونحن لا نخاف من شعب جبان, جنود الاحتلال يحمون أرواحهم بالاختباء خلف تلك السواتر الرملية, أما نحن نتقدم الصفوف لتكون روحنا كلها فداء للوطن".

يوميًا، يترك الرجل بيته، ليكون مرابطا على الحدود مخيم العودة، في خيمة صارت "بيتًا مؤقتا" له، يقضي فيها يومه.

إلى جواره، تجلس زوجته بلطفها, وسُمرة بشرتها, وحدة عيونها العسلية اللامعة, أسقتني فنجانًا من القهوة المرة, وبدأت بالحديث عن مسيرات العودة, تقول: "ما أجمل أن يلتحم الشعب الفلسطيني كاليد الواحد متمسكًا بقضيته, رافعًا علمه الفلسطيني عاليًا في السماء, متيقنًا أنه سيعود لبلاده المسلوبة ".

بينما كانت تسكب القهوة من "البكرج", تساءلت: "يبدو من لهجتك أنكِ (مواطنة)"، أجبتها أني "لاجئة من قرية السوافير الشرقية"، فلم تكمل سكب فنجانها, وقالت بدهشة: "السوافير الشرقية!"، ومع دهشتها هذه سقط الفنجان أرضًا, فتطايرت قطراته على ملابسي, وبسرعة وخفة دخلت الخيمة وأحضرت قطعة قماش مبللة لتمسح بقع القهوة، مكررة: "أنتِ فعلا من السوافير الشرقية".

كان ذلك، لأنها هي أيضًا من "السوافير الشرقية"، أخذت نفسًا عميقًا, وبدا الحزن الشديد في عينيها, وأطرقت رأسها في السماء, وهي تقول: "متى سنعود, متى؟".

ثم عادت لتتحدث عن وجودها في مخيم العودة، إذ توضح أنها تعتصم في خيمتها كل يوم، لتثبت للعالم أن لها حق في هذه الأرض, وق أصبح لديها أمل كبير بأن تعود للبلاد التي هجرت منها.

اخبار ذات صلة