بالرغم من الضحكات الكثيرة التي تتناثر في سماء مخيمات العودة شمال قطاع غزة، في تلة أبو صفيّة على الحدود مع الاحتلال الإسرائيليّ، والتي تنطلق من أفواه الشباب الثائر الذي يبيت يوميًا في تلك الخيام، وخاصة ليلة الجمعة، إلا أن حزنًا كبيرًا ينتابهم هناك خاصة في تلك الليلة.
فالمحبة الكبيرة التي غُرِست في قلوبهم والتي كانت بسبب توحدهم على هدفٍ واحد، وهمٍ واحد، وحلمٍ واحد، زادت في قلوبهم الخوف على بعضهم بعضًا، دون أن يخاف أحدٌ على نفسِه، وفق ما يقولون.
شباب وحدة "الكوشوك"، الذين لا يملّون من البحث عن إطارات السيارات والتخطيط لما سيفعلونه في اليوم التالي وهو يوم الجمعة الذي أكثر ما يثور الشباب فيه، والذي غالبًا ما يخططون فيه لقصّ السلك الحدودي وسحبِه، يودّعون بعضهم مساء كل خميس.
يروي محمود –وهو اسم مستعار- من شباب وحدة الكوشوك لـ"فلسطين": "كل الأيام التي نقضيها في الخيام جميلة، والأجمل فيها يوم الخميس، نظرًا لليوم الذي يليه وهو الجمعة التي نثور فيها ونخطط بطريقة مختلفة، فنحدد بدقّة من يقص السلك ومن يسحبه ومن يلفه وما إلى ذلك".
ويقول: "وبعد الانتهاء من كل ذلك، نعدّ عشاءنا الذي يكون بالعادة قلاية "شكشوكة" على نار الحطب، فهي أحد أهم مأكولاتنا التراثية التي حاول الاحتلال سرقتها، إلى جانب إبريق الشاي الشهيّ الذي لا يغيب عن النار".
ويضيف: "وما أجمل لمّتنا حين نبدأ بالغناء، تارةً أغانٍ وطنية وأخرى لها علاقة بالصُحبة، لقد كان الشهيد أحمد عقل واحدًا منا وكان يغني تلك الأغاني معنا، إننا نفتقده كثيرًا ونفتقد صوتَه وحِسّه بيننا".
وكان الشهيد عقل يمشي على عكّازين، إذ أصيب شرق غزّة في الأحداث على الحدود، والتي نتجت عن إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" للقدس عاصمة الاحتلال، وبالرغم من إصابته لكنه ظلّ يشارك في مسيرات العودة مع الشباب، خاصة في يوم الجمعة الذي يتفنّنون فيه بقصّ السلك الحدودي، وفق قول الشباب.
ويوضح أن الشهيد عقل كان قد وقف بينهم وهم مجتمعون مساء الخميس قبل قنصِه في يوم الجمعة، وأراد أن يقول وصيته ممازحًا لهم، فأوقفوه كي لا يشتدّ حزنهم، وكان أجلُه قد آن بعد عدة ساعات قليلة.
ويخبرنا محمود أنهم لا يرمون بأنفسهم للتهلكة، بل يؤكّدون لبعضهم بعضًا دومًا بألا يكونوا فريسة سهلة للمحتل، ويذكرون بعضهم بأن كل عضو من أعضاء أجسامهم غالٍ وعزيز ولا بد من الانتباه قدر المستطاع في كل خطوةٍ يخطونها، وإن استُشهِدوا فيتمنّون أن يكونوا شهداء برحمة الله وعفوِه، ثم فداء لأرض والوطن وليس خسارة، كما يوضح.