فلسطين أون لاين

​صراعات الاحتواء المزدوج (مع الثور والخرقة الحمراء)

...

إن ضرب قوتين كبيرتين ببعضهما البعض وخروج المحتل أو قوى الاستعمار والهيمنة من بينهما سالمًا غانمًا أسلوب معروف، اكتوينا بناره كثيرًا وغالبًا ما نصحو بعد دفع الاثمان الباهظة، ضرب ايران والعراق في حرب مدمرة ثماني سنوات استنزفت مقدرات البلدين وفق ما عرف بسياسة: "الاحتواء المزدوج"، ماذا لو أدرك الطرفان سياسة عدوهما وأوقفا الحرب مثلا بعد ستة شهور بدل ثماني سنوات؟ ماذا لو لم تنطلِ عليهم مسوغات هذه الحرب ولم ينصاعا اليها أصلا؟ هل نطمع أكثر من هذا فنقول: ماذا لو اجتمعت قوة هذين الطرفين بطريقة ما ووجهت البوصلة لعدو الامة المشترك؟

وقام قبل ذلك بضرب الثورة الفلسطينية والنظام الأردني فيما عرف بأيلول الأسود بعد ثلاث سنوات من معركة الكرامة التي أحرز فيها الطرفان معا نصرا عزيزا بعد هزيمة سبع وستين.. وكانت خسارة ما بعدها خسارة في وقت كنا أشد ما فيه للوحدة ولم الصف، ثم في لبنان يتكرر نفس السيناريو فتدخل حرب تأكل الأخضر واليابس ويخرج كل طرف بأسه الشديد في وجه خصمه السياسي دون اية حسابات لمن يقف خلف هذه الحرب ويعمل ليل نهار على تغذيتها ماديا واعلاميا.. ثم نستيقظ كالعادة بعد فوات الاوان وبعد دفع باهظ الثمن مما نملك من قوة وطاقة كان من الاجدى ان تبذل باتجاه العدو المشترك والمتربص بنا جميعا.

ألم نصل الى هذه المعادلة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار: ما أن يتوفر طرفان قويان يشكلان خطرا على الاحتلال ( كل بمفرده او اذا اجتمعا) إلا سيعمل الاحتلال على ضربهما ببعض وادخالهما في سياسة الاحتواء المزدوج، ليخرج هو سالما بينما يتآكل ويتهالك الطرفان.. هو يسخن النار من تحتهما شيئا فشيئا حتى اذا اشتعلت أكلت نار كل منهما الاخرى بعيدا عنه وبالتالي يفرغ طاقة كل منهما دون ان تمسه او تؤذيه.

ولم لا يفعل هذا في فلسطين وقوى الاستعمار الكبرى (وليس بعيدا عن مشاركته إن لم يكن هو المحرك الاساس) فعلت ذلك، في سوريا فتحت محرقة لكل الاطراف، جيء بكل من يملك في قلبه ذرة ايمان أو جذوة جهاد من كل أصقاع الارض، هذا الذي يحمل عاطفة دينية ويملك طاقة روحية بدل ان يذهب بها الى قوى الاستعمار هذه او الى من يحتل قلب الامة فلسطين، فتحوا له ساحة تفريغ في سوريا وضربوهم ببعض لتكون محرقة للجميع.. حرب عبثية لا أحد يستفيد منها سوى من يقف خلفها ويغذيها وهو بالمناسبة عدو للجميع.. ولكن حمأة الحرب ولهيبها تعمي الابصار وتصمها.

الشعب الفلسطيني من المفترض بعد كل هذه التجارب التي مر بها (منذ ايلول الاسود الى الحرب الاهلية في لبنان الى غزة والانقسام) أن يكون اكثر الناس وعيا بمعادلة الاستعمار هذه (سياسة الاحتواء المزدوج) وبالتالي أن يحذر ويبتعد عنها بقوة، وكذلك فان السياسات الاستعمارية في المنطقة معروفة جدا، مثال المفكر الجزائري مالك بن نبي في الثور والخرقة الحمراء التي يمسك بها المصارع، يرفعها في وجه الثور ليغير وجهة الثور ويبعد نطحه عن المصارع وليتلقى بعد ذلك طعنات تصيبه في مقتله.

لا بد ان يشهد الشارع الفلسطيني حراكا قويا بحيث يشكل جبهة واعية مانعة من الانزلاق نحو الهاوية، ولا بد من ان نحذر من كل كلمة او موقف يصب زيتا على النار خاصة ما ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.. يجب ان لا نسمح بانتشار نار الفرقة وزيادة التوتير وليعلم ان من يفعل ذلك يساعد الاحتلال في مهمته ويسهل عليه الوصول الى غايته.