فلسطين أون لاين

​أسبابٌ أخرى من بينها الحب

دون عنفٍ جسدي.. آباء يدمرون شخصية أبنائهم

...
صورة تعبيرية
غزة - هدى الدلو

بعض الآباء والأمهات لا يستطيعون القيام بمسؤولياتهم تجاه أبنائهم، فتواجه أُسرهم معضلة اجتماعية لأن الأبوين يقضيان على أبنائهما معنويًا، ويظنّ الكثير أن الآباء الذين يدمرون أبناءهم هم من ينتهجون أسلوب التعنيف الجسدي ضدهم، أو يتعاملون معهم بأسلوب غير لائق فيرفعون أصواتهم في توبيخهم، ولكن في الواقع هناك ما هو أوسع من ذلك من أشكال الإيذاء، وثمة تدمير أشد وقعًا على نفوس الأطفال، ألا وهو ما يغرسه الآباء في عقول أبنائهم من قناعات تؤدي إلى تحطيم مستقبلهم، وبالتالي تتأثر نفسيتهم دون استخدام عنف جسدي ضدهم.

الباحثة "هولي شافيز" أجرت دراسة نُشرت في مجلة "لايفهاك" الأمريكية عن أنواع الآباء، وأوضحت فيها 13 صفة لتصنيف "الآباء السّامّين" الذين يدمرون حياة أبنائهم ويقضون على شخصيتهم السليمة.

وأشارت الدراسة إلى أن معظم الآباء يبذلون قصارى جهدهم لتربية أطفالهم بصحة وسعادة، لكن قد يجنح هؤلاء بغير قصد عن هذا الهدف من خلال اقترافهم أخطاء يومية من دون إدراك مخاطرها على مستقبل الأطفال، كقسوة الحب، والسخرية من الأبناء والنقد المفرط، وغير ذلك من الأساليب التي يتبعها بعض الآباء في تربية أبنائهم.

فقدوا الثقة

قالت "عبير حامد" الأم لأربعة أبناء: "كثير من الآباء يعتمدون في منظومتهم التربوية على أن صلاح الآباء من صلاح الأبناء، فمن باب حبهم لأبنائهم وحرصهم عليهم تزيد قسوتهم، لكني وجدت هذا الأسلوب لا يجدي نفعًا".

وأوضحت أن التربية بهذا الأسلوب كانت لها آثار على أبنائها، حيث فقدوا الثقة والشعور بالأمان، كما أنهم تربوا على الترهيب بعيدًا عن أي أمن وأمان واستقرار نفسي.

وأشارت إلى أن زيادة حبها لأبنائها وخوفها المفرط عليهم أديا بها إلى قسوتها عليهم، دون مراعاة منها لاحتياجاتهم النفسية.

عدم مشاركة

وأم أدهم، وهي أم لستة أبناء، قالت إن زوجها كان ينتهج مع أبنائها أسلوب النقد المفرط لكل تحركاتهم وأحاديثهم ظنًا منه أنه بذلك سيساعدهم على تغيير بعض سلوكياتهم، وتحفيزهم على ما هو أفضل.

وأضافت: "ابني الذي لا يتجاوز عمره 13 عامًا كان أكثر من يتم انتقاده بين باقي أبنائي، خاصة على طريقة حديثه وطرحه لأي موضوع، حتى بات في الآونة الأخيرة قليل الكلام والمشاركة في الأحاديث العائلية".

ومن وجهة نظر أم أدهم، فالنقد أسلوب تربوي يُستخدم من وقت لآخر، ولكن تكمن الكارثة إذا تحول إلى أسلوب تربوي دائم، فهو في هذه الحالة سيؤدي إلى فقدان الطفل ثقته بنفسه.

فهم خاطئ

ومن جهته، أوضح الأخصائي النفسي زهير ملاخة أن الأساليب الأسرية في التربية هي صاحبة الأثر الأول في الشخصية واعتدالها وإبداعها وتوافقها، وبالتالي الإحسان في انتهاج الأساليب يؤثر بإيجابية على شخصية الطفل ومستقبله.

وقال لـ"فلسطين": "لكن الفهم الخاطئ من قبل أولياء الأمور يجعلنا نقع في مشكلة تربوية دون أن نعيها، فالبعض نجده يعبر عن محبته لابنه بأسلوب العطاء بلا حدود، أو أسلوب الشدة ودفعه لتحمل المسؤولية والعصامية، أو أسلوب الحب والعاطفة فقط، أو أسلوب التباهي به، وكذلك أسلوب القسوة الذي يظن الأبوان أنه أسلوب يخلق العصامية والقوة في قلب الابن في شخصيته"، مضيفا: "هذه الأساليب لها انعكاساتها الإيجابية من جهة، لكن ربما تحمل الكثير من السلبية من جهة أخرى".

وأوضح أن أسلوب القسوة والانتقاد نابع من المحبة، لكنه لا يراعي الحالة النفسية للطفل، ولا يراعي احتياجاته، والجوانب الفطرية التي يرغب الطفل في أن يعيش في كنفها، وهذا يخلق ألما يعتصر بسببه قلب الطفل، وربما يولِّد عنده كرها وحقدا تجاه والديه، أو خوفا وشعورا بالرعب.

وأشار ملاخة إلى أن الطفل يبحث عن مكان يشعر فيه بالراحة بعيدًا عن قسوة وانتقاد وخشونة الأب، لذلك لا بد من ذكاء وحكمة في تربية الأبناء، من أجل زرع الحب الحقيقي في نفوسهم نحو العائلة، مع الاعتدال وإعطاء الحق لعقولهم وقلوبهم وأرواحهم وأجسادهم.

وأكد: "لا بد أن يكون الأبوان أكثر إيجابية في حسن استخدام أساليب التربية، ليتمكنا من تحقيق الهدف، وهو بناء شخصية سليمة قوية مبدعة تشعر بالسعادة مع نفسها والآخرين"، لافتًا إلى أن هناك أساليب أخرى قد تدمر الأبناء فالبعض يستخدم أسلوب القسوة الجسدية أو اللفظية، أو أسلوب الترك والإهمال والصمت.

وبين ملاخة: "البعض يجعل الأبناء يعيشون في صراع بين المطرقة والسندان بسبب تناقض أسلوب الأب والأم، وبالتالي لا بد من الفهم والوعي بمسالك التربية السليمة التي تجمع بين الاعتدال والمنطق والواقع".

ونوه إلى أن لهذه الأساليب الخاطئة آثارًا نفسية على الطفل وعلى أسرته وعلى المجتمع كله، وهذا التأثير يختلف وفقا لنوع الأسلوب الخاطئ، وقد يأتي على شكل صراع ذاتي لدى الطفل، أو انعدام لشخصيته أو فقدانه الثقة فيها، أو القسوة والغلظة في أسلوبه وشخصه، أو أن تصبح شخصيته انطوائية محدودة النشاط والقدرات.

وأوضح ملاخة أن الأسرة كلها تتأثر بحيث تؤدي الأساليب التربوية الخاطئة إلى عدم التوافق بين أفرادها، وغياب أجواء الاندماج، وأحيانا التمرد والبحث عن الهوية والذات بأسلوب العنف وعدم التفاهم، إضافة إلى غياب التنظيم والتخطيط الجيد، والمشاكل الأسرية وخاصة في حالة التخبط والتذبذب بالتربية بين الأم والأب.