عندما يسدل الليل ستاره ننتظر ميلاد فجر جديد يبزغ نوره بالأمل والحياة والتفاؤل بغدٍ أفضل، ويسعى بعض إلى أن يكون الفجر الجديد ميلادًا لحياة جديدة، وليس مجرد إيذان ببدء يوم آخر من أيامه المتكررة، فيفعل كل ما بوسعه ليرسم لنفسه ملامح الحياة التي يريدها، يعمل ويجتهد ويقدّم أفكارًا تنفعه وتنفع من حوله، وربما يستلهم الشخص أفكارًا من مشاكل المجتمع، وقد تكون المعاناة الشخصية سببًا في ذلك، فيتحدى الفرد مشكلته ويقاوم نظرة المجتمع له حتى يثبت أنه قادر على تحقيق الأفضل، تنقل لكم "فلسطين" في التقرير التالي اثنتين من التجارب المُلهمة لأشخاص في ريعان شبابهم.
عاشقة التحدي
الشابة سارة النجار (20 عامًا) رسمت خطوطًا عريضة لمستقبلها، إذ خاضت جولة بين ثنايا الزمن، فبدأت بالمستقبل ثم عادت إلى الماضي، لتقف بعدها على مشارف الحاضر، فكانت البداية من عام 2030م، إذ ستكون وقتها قد نشرت أول كتبها، وستبدأ برنامجها التلفزيوني بعد عشرة أعوام من التقديم التلفزيوني.
تقول النجار بعدما انتقلت إلى الماضي إذ ولدت عام 1995م: "بعد ولادتي تبيّن أنني مصابة بضعف بصر حاد ونقص جزء من الشبكية، ما يصنفه القانون الفلسطيني إعاقة، ويُطلق على صاحب هذه الحالة (كفيف جزئيًّا)".
وتضيف لـ"فلسطين": "تعامل أهلي معي تعاملًا طبيعيًّا جدًّا، أمّا المجتمع فكان في ذلك الوقت غير متقبل، لكن بعد الاختلاط بالناس في المدرسة، وتفوقي الدراسي تغيّرت نظرة الناس نحوي، ليحاول الكثير منهم كسب صداقتي".
تخرجت النجار في الثانوية العامة بمعدل 96%، وقررت دراسة الصحافة والإعلام، فلاقت ما لاقت من معارضة كبيرة، لكنها تعشق التحدي فأكملت الطريق.
وتتابع: "بداية الحياة الجامعية كانت أصعب المراحل، ليس فيما يتعلق بالتعليم، بل من ناحية تعامل الناس مع ذوي الإعاقة، إذ بدأت أسمع هذه الكلمة كثيرًا بجانب كلمة كفيف، وتعامل بعض الأساتذة معي على أنني عاجزة، لكني تمكنت من برمجة ذاتي لأعود قوية".
النجار بدأت بالعمل وهي لا تزال طالبة، فحررت الأخبار لأكثر من موقع إلكتروني، وقدمت برنامجًا إذاعيًّا، ووصلت إلى نهائيات (ستارت أب ويكند) للمشاريع الصغيرة في مشروع "القلم القارئ"، وتعلمت اللغة العبرية، وانطلقت في عالم التنمية البشرية، وهي عاشقة للقراءة، مع الصعوبات الكبيرة التي تواجهها.
مطبقٌ على الواقع
الطالبتان مجد المشهراوي وروان عبد اللطيف خريجتا كلية الهندسة عام 2016م في الجامعة الإسلامية بغزة، كانت السنة الثالثة من دراسة الهندسة بداية العمل المشترك بينهما، ثم استمرتا في العمل معًا بمشاريع متعددة في مجالات عدة كالإنشاءات والطرق والبنى التحتية والتصميم وغيرها.
بدأت فكرة (جرين كيك) من واقع التجربة الذي عاشته المهندستان في مواقع العمل، فقد انتبهتا إلى وجود مشكلة كبيرة في البناء تتمثل في تدني جودة الأحجار المستخدمة، إضافة إلى سعرها المرتفع، ففكرتا في استثمار مشروع التخرج والاستفادة من العام الذي سيستغرقه إنجازه بطرح فكرة لا تكون مجرد حبر على ورق، وكان هدفهما تطبيق المشروع على أرض الواقع، وأن يكون ملائمًا لظروف قطاع غزة.
تقول المشهراوي لـ"فلسطين": "الرماد المتطاير هو مادة تنتج من حرق الفحم لأجل توليد الطاقة، ويتخلص منها إما بالدفن أو إلقائها في مكبات النفايات، وهاتان الطريقتان للتخلص من الرماد حلان مضران بالبيئة جدًّا، ومن هنا جاءت فكرة إعادة استخدام الرماد من جديد للاستفادة منه في تطبيقات إنشائية".
وتضيف: "إذا ما تطرقنا إلى المشاريع العالمية التي جذبت نظر المهتمين بالحفاظ على البيئة؛ فقد استخدم الورق وغيره من المواد غير المستخدمة في قطاع الإنشاءات والبناء أيضًا".
وتقاطعها صديقتها عبد اللطيف لتكمل الحديث عن مراحل الإعداد: "يمر المنتَج بمراحل عديدة حتى الوصول إلى الشكل النهائي الذي يمكن طرحه للمستهلك، وهذه المراحل تتمثل في توفير المواد الخام اللازمة للإنتاج، وهي: الإسمنت المتوافر محليًّا، والرماد، ومواد أخرى تضاف, وغالبًا يكون الرماد غير جاهز للاستخدام المباشر؛ فإننا نحصل عليه من "الفواخير" في غزة، ولذلك نجري عليه بعض العمليات حتى يصبح جاهزًا للاستخدام النهائي".
وتشير عبد اللطيف إلى أن من مميزات المشروع أن فكرة البناء بالطوب الخفيف حاجة عالمية، فالدول المختلفة تسعى إلى تخصيص مراكز أبحاث وتجارب لإنتاج طوب بناء خفيف الوزن، وذلك لعدة أسباب، تتمثل في إنشاء مبانٍ عالية في ظل الحاجة إلى التوسع الرأسي، ما يعني أن المبنى ستكون له أحمال أكبر على التربة التي بدروها تكون غير قادرة على التحمل، فيحل الطوب الخفيف هذه المشكلة.
وتقول المشهراوي: "وما جعل الفكرة تتميز من غيرها كونها جديدة لم يكن لها سابقة من قبل على المستويين العربي والعالمي، وأنها تحل مشكلة بيئية عالمية، وليست مشكلة محلية في غزة فقط، وإضافة إلى ذلك إن النماذج الأولية التي أنتجت كانت مواصفاتها تفوق المنتج الموجود في السوق من ناحية السعر والإنتاجية والوزن، وبالتطرق إلى القوة فإنها في طور التطوير".
وتطمح الشابتان إلى تطبيق المشروع محليًّا وعالميًّا، وأن يصبح حجر (جرين كيك) هو المطلوب في السوق، وقد شاركتا في مسابقة (MIT) بالتعاون مع شركة "زين" السعودية، وتأهلتا إلى نصف النهائيات.