قائمة الموقع

على غصون شجر "الإثل" تتعلّق أحلامهم

2018-04-21T09:23:07+03:00

في خيمة غير تقليديّة، شيّدَها أصحابُها على الأصول البدويّة التراثية، على الحدود الشرقية مع الاحتلال الإسرائيلي في محافظة رفح جنوب قطاع غزّة، جلس الحاج أبو سلامة الملاحي (65 عاماً) مشارِكًا في مسيرات العودة الكبرى، وقد أشعل الحطب وجهّز بكارج القهوة السّادة التي تفوح رائحتها بنكهة الماضي.

لم تكن خيمةً شبيهةً لخيام التهجير التي جهّزتها وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين المهجّرين عام 1948، إنما خيمة من قماشٍ ثقيلٍ ملوّن ومزيّن بالزخارف القماشية المتدليّة على طول حوافِها، تجاورها خيام العودة العاديّة، وفيها يخال نفسه يعيش ويجلس في بلادِه "بئر السبع" التي يراها أمامَه خلف تلك الحدود.

ويأتي الملاحي كل يومٍ هنا، لينظر إلى أراضيهم الواسعة وفق قولِه، ويشير خلف السلك الحدودي قائلاً: "هناك عند أشجار (الإثل) الكثيفة كنت أرعى الأغنام والجِمال قبل النكسة عام 1967، كانت أسعد أيام حياتي، لم أتخيّل أنني سأفارقها يومًا، لكن الاحتلال الإسرائيلي لا يحسب حسابًا لأحد".

ويضيف: "ما أجمل أن نعيش في أمان وحريّة بين الحقول والأراضي آمنين، إننا لم نكن يومًا إلا مسالمين، لكن العدوّ تجبّر وتفنّن في سرقة البلاد وقتل أهلِها وتشريدهم".

ويخبرنا الملّاحي الذي يسكن اليوم في منطقة "الشوكة"، أنه تزوّج في خيمةٍ مثلها ومن قبله والدُه وجدّه الذي لم يرَ أحداً منهما أو يتذكّر عنهما شيئاً، فقد توفي والده منذ صغره فيما قتل الاحتلال جدّه في عام النّكبة وفق رواية أمّه.

يحكي لـ"فلسطين": "لطالما روَت لي والدتي -التي ماتت وهي تحلم بالعودة- حكاية أبيها حين قتله الاحتلال وهما يرعيان أغنامهما وجِمالهما في الأرض الواسعة الخضراء".

ويصف: "كانت أمي وجدي (والدها) سارحان بين الحقول للرعي، حتى جاءت عربات تجرّها الحمير محملة بالحطب وبرجالٍ يرتدون زياً عربياً ثم يطلقون النار الكثيف ويسقط جدّي ميتاً".

ويقول: "هربت والدتي لتخبر عائلتها صارخةً وقد نجت من الرصاص بأعجوبةٍ ليكتشفوا فيما بعد أن القتلة هم من المحتلّون الصهاينة وقد تنكّروا بالزي العربي، ثم لم يتمكنوا من نقل جثّته إلا ليلاً لكثرة ما كان المحتلون متواجدون بسلاحهم".

ويضيف: "لكن الأمر لم ينته، بل لاحقوا أهل المنطقة بالرصاص في سيناء، وكانت المنطقة مفتوحة آنذاك".

وبجوار الملاحي يجلس أبو خليل العرجا (54 عاماً) منتظراً قدوم الخيول والجِمال التي ستعدّ عرضاً تراثياً مع الغروب، ويقول: "بإذن الله لن يضيع الله حقّنا وسنعود لبلادنا ونقدم العروض فيها".

فيما يبتسم الشاب محمد النجّار من جانبهما ويقول: "على سيرة العودة والخيام، فإنني لا أنسى الحلمَ الذي حلمته بمجرد الإعلان عن مسيرات العودة الكبرى.. لقد رأيت نفسي أجلس في بلادي حقيقةً، تمنّيت لو أنني لم أستيقظ يومها أو أن أستيقظ وقد تحقّق الحلم".

ويضيف: "البلاد تسكن عقولَنا خاصة وأنه لا يفصلنا عنها سوى سلك زائل بإذن الله".

حتمًا سيرحلون

ومن مخيم العودة في رفح إلى مخيم العودة في البريج، حيث كُتِبت العبارات الوطنية التي تحمل فِكر العودة للبلاد والرجوع على كل الجُدُرِ واللوحات، والخيام، وفي خيمةٍ نُصِبَت في زاويةٍ خُطّت عليها حروف "قبيلة التياها" على الحدود الشرقية؛ كان الحاج محمد الطلالقة (65 عامًا) يجلس على حصيرةٍ برفقة أصحابه وأقاربِه مشاركًا في مسيرات العودة وقد ارتدى الحطة والعقال العربيّ، الذي يفتخر به كما يحكي لـ"فلسطين" فيرتديه في كل المناسبات السعيدة.

الحاج الطلالقة المُهجّر هو الآخر من بئر السبع وتعود أصولُه لبلدة "الشريعة"، يأتي لخيمة العودة يوميًاً موضحًا أنه "حتمًا سنعود لبلادنا ما دام فينا عرق ينبض، وسيرحل عن أرضنا الغاصبون"، يقول.

ويضيف:" مُذ خُلقنا ونحن نعيش الحروب وننظم المسيرات من أجل نيل حقوقنا الكثيرة المسلوبة والتي تتزايد ويشتدّ ألمُها وآثارها السلبية عامًا بعد عامٍ، لكن هذا المسير مختلف، لأنه جمعنا على كلمة واحدة ولم يكن مؤطرًا تحت راية حزبٍ أو فصيل، وهذه الخطوة بداية العودة بإذن الله".

ويتبع: "ما دمنا مع الله، كان الله معنا، وأعاد لنا حقّنا، فالله لا يظلم أحدًا، إننا إن توّحدنا وصبرنا وتمسّكنا في حقّنا دون أن نتراجع، فإننا سنعود رغمًا عن المحتلّ".

اخبار ذات صلة