نرى بعض القائمين على العملية التربوية يتساهلون في القيام بهذا الدور وفي انتقاء أفضل الأساليب للتعامل مع الأطفال، فيتصرفون معهم دون أي ضوابط أو قيود أو حتى اهتمام، ودون أن ينتبهوا إلى أن الصغير كائن عاقل وحسّاس، فيستخفّون بمشاعره ويعاملونه بطرق تسبب له الأذى النفسي، وخاصة إذا انتهج المربي الإهانة كأسلوب تربوي في معاملته مع الطفل.
هناك مبادئ تربوية ينبغي على المربي اتباعها في تربيته للطفل، ومنها أن يدرك أن التربية يجب أن تحفظ كرامة الصغير، وأن من يُهِن طفلًا لا يُعدّ مربيًا.. فما هو تأثير انتهاج الإهانة كأسلوب تربوي؟، وما أثرها في بناء شخصية الطفل؟ هذا ما نتحدث عنه في سياق التقرير التالي:
إهانة جماعية
أي شخص يملك سلطة على طفل في أي مكان يُعد مربيًا له، في داخل الصف المدرسي معلم تبدو عليه ملامح القسوة بعض الشيء، ولا يراعي مشاعر طلابه الذين يلاحظون ثورة غضبه عليهم، ففي كثير من الأحيان يفرض عليهم عقابًا جماعيًا فيه قدر من الإهانة لهم، ويفعل ذلك لأتفه الأسباب، وأحيانًا أخرى يصب جام غضبه على طالب واحد بلا رأفة.
والدة الطالب معتز محمد (8 أعوام) قالت: "عاد ابني من مدرسته وملامح الغضب مرتسمة على وجهه، والدموع تغرق خديه، لدرجة أنه لم يستطع البوح بما حدث له، فتوقعت أنه علق في مشكلة كبيرة مع أحد زملائه ونال قسطا من الضرب والأذى".
وأضافت: "حاولت تهدئته كثيرًا، إلى أن استطاع أن يسرد على مسامعي ما حدث معه، والذي كان سببه مربي فصله، إذ أهانه أمام زملائه في الصف بسبب نسيانه للكراسة التي كتب عليها واجبه، رغم أنه من الطلبة المتفوقين".
وأوضحت: "تصرف الأستاذ مع معتز بهذه الطريقة ومعاقبته أمام أقرانه سبب له شعورًا بالإهانة وبضياع كرامته، والتي تعد من أهم حقوقه التي يجب على المربي المحافظة عليها، وقد بدت الآثار النفسية واضحة عليه".
نهج يومي
أما "أبو عاهد عوض" الأب لأربعة أبناء، فقد اتخذ من الإهانة أسلوبًا تربويًا، وكأنها وسيلة لتغيير حال أبنائه، فالصراخ هو نهجه اليومي، كما أنه ينعتهم بشكل متكرر بأنهم فاشلون لا فائدة منهم، وسيئون، وأنه نادم على إنجابهم.
وقالت زوجته: "كثيرًا ما أقف أمامه ليتوقف عن التصرف بهذا الشكل، ولكن لا فائدة، فهو يوبخهم بصوت مرتفع، ولا يتراجع عن ذلك إذا كان أمام أشخاص من خارج العائلة سواء أقارب أو أصدقاء، وفي هذه اللحظات لا يملك أطفالي إلّا أن يقفوا أمامه مطأطئين رؤوسهم، ويستمعون لما يقول، ومن ثم يعزلون أنفسهم في غرفتهم بعيدًا عنه".
ونوهت إلى أنها تشعر أن هذا الأسلوب لا فائدة منه في تربية الطفل أو تحسين سلوكه، فبحسب مشاهداتها فإن الإهانة تسبب الأذى النفسي للصغار، لافتة إلى أن أبناءها أصبحوا يتجنبون مواجهة والدهم أو الجلوس معه.
آثار مستمرة
من جانبه، قال د. حمدان الصوفي، أستاذ أصول التربية المشارك في الجامعة الإسلامية: "تُعد التربية حفظا لكرامة الأبناء، ومن يهِن طفلًا لا يُعد مربيًا، وهذا مبدأ تربوي صحيح من جانب نظري، لأن الإهانة ليست أسلوبًا تربويًا.
وأضاف لـ"فلسطين": "يعدّ التربويون الضرب إهانة للطفل، وخاصة أن بعض المربين ينتهجونه كأسلوب لإجبار الطفل على فعل واجب أو تغيير سلوك"، متابعا أن الضرب والإهانة جزء من الثقافة العامة، لذا يستخدمها الأب مع أبنائه، والأستاذ مع طلابه، رغم أن الإهانة والضرب لا يُعدّان الأسلوب الأمثل لتقويم السلوك وتعديله، بل إهانة الإنسان هي إهانة لإنسانيته.
وواصل: "كثير من الآباء والأمهات عودوا أبناءهم على ألا يغيروا سلوكهم إلا بالضرب، ولذا لابد من أن تتضافر الجهود بين الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام والمؤسسات المربية للطفل لتغيير هذه الثقافة، وتغيير الوعي المتعلق بها، حتى يتوقف أولياء الأمور عن ممارستها".
وأشار د. الصوفي إلى أنه لابد من وجود توازن فيما يتعلق بحفظ الكرامة، فهذا لا يعني أنه يتعين على المربي أن يحفظ كرامة الطفل فيما تُهدر كرامة المعلم أو الأب.
وأوضح: "كما أن إهانة المربي للطفل لا تسقط عنه صفة التربية، بل يكون مربيا يعاني من نقص في التأهيل التربوي، لأن المربي الناجح إذا كان مؤهلًا بشكل كامل فإنه يستبعد من أساليبه التربوية الضرب والإهانة اللفظية".
وبين د. الصوفي أن سبب حدوث الإهانة هو أن بعض المربين يصعب عليه النزول إلى مستوى فهم الطفل ومجاراته ومحاورته باللغة التي يفهمها، وبذلك لا يتمكن من تغيير سلوكه من خلال الكلمة الطيبة، أو إغرائه بالحلوى أو الخروج للتنزه، فبعض الآباء يضيقون ذرعًا بذلك، إضافة إلى ضيق الحال وسوء الأوضاع الاقتصادية قد يدفع بعض الأهالي لذلك.
ونوه إلى أن الضرب بالرغم من أنه أسرع وسيلة لتغيير السلوك، لكنه ليس الأسلوب الأنجع، كما أن سلبيات الضرب والإهانة أكثر من إيجابياتهما، وأول هذه الآثار السيئة أن الطفل لن يتخلص من السلوك السلبي، بل لربما يزيد عنده صفة العناد والتمسك بالسلوك الخاطئ، كما سيؤدي إلى ضعف شخصيته، ويصبح غير مبادر، ويعاني من ازدواج الشخصية، إلى جانب أنه قد يفقد الشعور بالأبوة والأمومة من قبل والديه، بدلًا من أن يكونا مصدر الأمن الأسري، وبالتالي يضعف انتماؤه للأسرة.
ومن مساوئ الإهانة أيضا، بحسب الصوفي: "ترافق الابن الآثار السلبية في الكبر حتى بعد البلوغ، وقد يذهب في أحد مسارين، المسار الأول يسير فيه إذا قبل التحدي، فسيكون إنسانًا عنيدًا يتصف بالقسوة في التعامل، وتظهر على شخصيته بعض الانحرافات للانتقام من المجتمع، أما المسار الثاني فإنه يؤدي به إلى الانسحاب والانزواء، والسلبية الكاملة، ويصبح شخصًا فاقدًا للفاعلية".
وقال الصوفي: "مسار حياة الإنسان قابل للتعديل في حال تم احتواؤه وتقويم سلوكه بطريقة تربوية صحيحة، وتم التعامل معه بشكل حواري ليشعر بقيمته".
وأشار إلى أن عليه الصلاة والسلام لم يكن يستخدم النهر والتوبيخ، فعن أنس رضي الله عنه قال: "لَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَوَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفٍّ قَطُّ، وَلَمْ يَقُلْ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَلا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ أَلا فَعَلْتَ كَذَا"".