لا شك أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستغل الأوضاع الساخنة في الدول العربية وانشغال العالم بها، لتمارس القمع بحق أسرانا البواسل، فمنذ أن وطئت أقدام الاحتلال أرض فلسطين في محاولة منه للسيطرة على شعبنا وإخضاعه بشتى السبل غير المشروعة افتتح السجون، التي لا تتوافق مع أبسط قواعد حقوق الإنسان، ليزج بمئات الآلاف من رجال ونساء وشباب وأطفال فلسطين في ظروف اعتقالية أقل ما يقال عنها إنها عنصرية تسعى إلى طمس شخصية الأسير، وإخضاعه لشتى ألوان العذاب منذ أن يقع بيد جنود الاحتلال وضباط مخابراته، مثل: التعذيب الجسدي الذي لا يخرج منه إلا بمرض مزمن، أو عاهة دائمة، فضلًا عن أصناف العذاب النفسي الذي يترك آثاره السيئة على الأسير فيما بقي له من الحياة.
فلا يكاد يوجد بيت في فلسطين لم يجرب أحد أفراده الاعتقال في سجون الاحتلال، فقد اعتقل جيش الاحتلال منذ احتل الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م، أكثر من مليون فلسطيني، من الرجال والنساء والشباب والأطفال، وظل الآلاف من الفلسطينيين في سجون الاحتلال، تتفاوت محكومياتهم، وقد استشهد عدد من الأسرى خلال سنوات الصراع مع الاحتلال، وحياة الكثير منهم عرضة للخطر، جراء ما يعانونه من أمراض مزمنة، في ظل عدم الاكتراث بوضعهم وحالتهم الصحية.
إن قضية الأسرى تمثل قضية ملحة للشعب الفلسطيني خاصة وللشعوب التي تتوق إلى تحرير الإنسان من هيمنة ظلم الاحتلال بوجه عام، والجميع يرى أن الحل الوحيد لهذه القضية هو زوال الاحتلال، الذي سينتج عنه تلقائيًّا الإفراج الفوري وغير المشروط عن الأسرى.
لم تعد قضية الأسرى في سجون الاحتلال تخص الفلسطينيين وحدهم، بل تخطت ذلك إلى الاهتمام والاحتضان والتضامن الدولي مع الأسرى الفلسطينيين، وقد تزامن هذا التضامن مع يوم الأسير السياسي العالمي وحقوق الإنسان، لما تمثل هذه القضية من انتهاك سافر من قبل سلطات سجون الاحتلال لحقوق آلاف الأسرى يوميًّا, إذ تشير المعلومات والتقارير إلى أن سياسات الاحتلال بحق آلاف المواطنين تمثل نقضًا فاضحًا للقيم الإنسانية وخرقًا جسيمًا للمبادئ الأخلاقية البسيطة، وخروجًا سافرًا على الشرائع والمواثيق الدولية المعمول بها في الدول التي تحترم الإنسان وإنسانيته, على رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأيضًا اتفاقية جنيف الرابعة، إلى جانب ضرب عرض الحائط بالاتفاقيات والمواثيق المتعلقة بمناهضة التعذيب والممارسات الخاصة بالكرامة الإنسانية.
فإذا كانت دول وشعوب العالم تتضامن اليوم وتدعم صمود أسرانا البواسل في سجون الاحتلال؛ فمن المعيب لنا تناول قضية الأسرى كردود فعل على بعض الانتهاكات التي تصل إلى وسائل إعلامنا، أو هبات موسمية كيوم الأسير الفلسطيني وغيره، إنما تتطلب من جميع الفعاليات والفصائل وأبناء شعبنا في الداخل والخارج تشكيل هيئات ولجان ومنظمات تسعى إلى تفعيل قضية الأسرى، وجعلها القضية الحاضرة أمام جميع المنظمات والمؤسسات العالمية، وحملها مع أي مسؤول فلسطيني يغادر أو يستقبل أي وفود أو مسؤولين أو شخصيات عربية أو أجنبية، في محاولة لجعلها قضية رأي عام عالمي، لنستطيع أن نخفف العذاب عن أسرانا داخل سجونهم، ونسعى بشتى السبل إلى تبييض السجون حتى آخر أسير.