يوم التاسع من نيسان، ذكرى مجزرة دير ياسين، التي كانت فاتحةً للنكبة الفلسطينية، ومدماك الأساس الأول في إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، فقرية دير ياسين تقع على جبل يرتفع عن مستوى سطح البحر (700) متر، وتبعد عن القدس حوالي ستة كيلو مترات، ويحيط بها كل من مدينة القدس وقرى عين كارم ولفتا وكالونيا.
شكلت شهادة القائد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل حافزاً رئيسًا للعصابات الصهيونية لمهاجمة واحتلال القرية وارتكاب المجزرة، فقد أصيب العديد من شباب القرية في معركة القسطل وكان العديد منهم في المستشفيات وعدد آخر في القدس للمشاركة في جنازة عبد القادر الحسيني، مما شكل فرصة لمباغتة الحماية القليلة في القرية ذات التجهيز والعتاد المحدود.
هدفت العصابات الصهيونية من وراء ارتكاب هذه المجزرة إلى إثارة حالة من الفزع والرعب بين الفلسطينيين في القرى والمدن الأخرى في فلسطين حتى يتم لهم احتلالها بلا قتال، حتى أن وفي كتابه المعنون الثورة كتب بيغين يقول: إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي، وأضاف قائلاً: "لولا دير ياسين لما قامت (إسرائيل)".
في منتصف ليل التاسع من نيسان/إبريل عام 1948 ارتكب منظمتان عسكريتان صهيونيتان هما "الإرجون" (التي كان يتزعمها مناحم بيغين، رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما بعد) و"شتيرن ليحي" (التي كان يترأسها إسحق شامير الذي خلف بيغين في رئاسة الوزارة)، باتفاق مسبق مع عصابات "الهاجاناه" الصهيونية بحق سكان قرية دير ياسين، وقتل فيها مئة وستة شهداء من اهالي القرية (38 من النساء، و27 من كبار السن، و16 طفلا، و25 شاباً)، من أجل بث الرعب والخوف في قلوب أبناء شعبنا واهلنا، ليس في دير ياسين فقط، بل في كل القرى والمدن الفلسطينية، من أجل حملهم على الرحيل القسري.
ولم تكن مجزرة دير ياسين الوحيدة بل تبعتها مجازر أخرى الطنطورة والدوايمة وكفر قاسم والسموع ومخيم جنين وصبرا وشاتيلا وغزة وتلك القائمة الطويلة من المجازر المتواصلة بحق شعبنا دون توقف، ودون ان يرف جفن أو يذرف دمع لهذا الغرب الاستعماري المجرم والمتوحش والمتشدق بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، و"المعهر" لمثل هذه القيم والمبادئ الإنسانية، والمستخدم والمدافع عنها فقط عندما تخدم اهدافه ومصالحه، في وقت يتنكر لها، بل يحاربها حينما تتعارض مع ذلك، فالديمقراطية الأمريكية والأطلسية المزعومة جلبت الخراب والدمار لشعوب أمتنا العربية، فالعراق خير شاهد ودليل على تلك الديمقراطية التي يدفع العراقيون ثمنها حتى اللحظة مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين والمشردين، والحروب المذهبية والطائفية والقبلية والعشائرية والتقسيمات الجغرافية والجهوية، عدا عن الخراب والدمار والجوع والفقر وامتهان الكرامة وغياب الحريات والتعددية الحزبية والسياسية وغيرها.
في الذكرى السبعين لمذبحة دير ياسين، نستشعر بأن مذبحة كبرى قادمة بحق حقوق وثوابت شعبنا، بحق قضيته ومشروعه الوطني، ولذلك يجب علينا أن لا نكون شركاء في هذا الذبح، فخلافاتنا وفرقتنا وانقساماتنا، من شأنها ان تشكل مساهمة وخدمة مجانية لأعدائنا لتحقيق أهدافهم ومشاريعهم، ألم يحن الوقت لقياداتنا لكي ترتقي إلى مستوى المخاطر المحدقة بقضيتنا ومشروعنا الوطني...؟؟ ألم يحن الوقت لكي ننهي الانقسام المدمر العابث بالجسد الفلسطيني كالسرطان...؟؟ ألم يحن الوقت لكي تكون لنا رؤيا وطنية جامعة، ونرسم استراتيجية سياسية كفاحية تقوم على الصمود والمقاومة ..؟؟، ألم يحن الوقت لكي نستعيد وحدتنا الوطنية على أساس برنامج سياسي موحد، ينهي ويقطع دابر التدخلات العربية والإقليمية والإسرائيلية والأمريكية في ساحتنا وقرارنا الفلسطيني..؟؟