"كل شيء تألم لفقدان صاحب الروح الطيبة، أهل المخيم وشوارعه، حتى الطير بات حزينًا"، كلمات يفتقد بها الحاج مرضي الحواجري (70 عامًا) نجله عبد القادر الذي اختطفته رصاصات قناصة الاحتلال الإسرائيلي، في 30 من الشهر الماضي، في أولى فعاليات مسيرة العودة وكسر الحصار، على الحدود الشرقية لقطاع غزة مع فلسطين المحتلة سنة 1948م.
وعرف عن الشهيد الأب لخمسة أطفال طيبة القلب، وتسلحه بابتسامة دائمة في أثناء تجواله في أزقة مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين، وسط قطاع غزة، الذي عاش وترعرع فيه، إلى جانب ولعه بتربية الطير والحمام منذ سنوات طفولته الأولى.
والد الشهيد الذي لا يكاد يصدق خبر رحيل فلذة كبده تحدث لصحيفة "فلسطين" عن حياة الشهيد المولود عام 1975م بالقول: "كان عبد القادر (رحمه الله) يعيش أحسن حياة منذ صغره، منكبًّا على دراسته، وهوايته التي انقسمت بين لعبة كرة القدم في حارات المخيم واهتمامه باشتراء الحمام وتربيته على سطح المنزل".
أضاف الحاج مرضي: "تذوق عبد القادر مرارة الاحتلال كباقي الأطفال الفلسطينيين، وتحديدًا قبل دحر الاحتلال من غزة، وفي ضوء ذلك بدأت تتشكل الملامح الوطنية للشهيد من حبه للأرض وحضوره المكثف في الفعاليات الشعبية خلال دراسته بالمرحلة الإعدادية، وعلى النهج نفسه استمر حتى استشهد".
ومع بدء التحضير لانطلاق مسيرة العودة وكسر الحصار، تزامنًا مع إحياء الفلسطينيين الذكرى الـ42 ليوم الأرض كان الشهيد عبد القادر مهتمًّا بمتابعة أخبارها، والتحدث عنها مع جيرانه في المخيم، ولكنه لم يعلم أحد بنيته الذهاب إلى المسيرة.
"آخر ما كنا نتوقع أن يرتقي عبد القادر خلال المسيرة" تابع الوالد حديثه، واصفًا مجريات الأحداث في تلك اللحظة: "بعد أداء صلاة الجمعة في مسجد أبو عبيدة خرج الشهيد برفقة نجله أنس للمشاركة في مسيرة العودة، وهناك بادر جنود الاحتلال بإطلاق الرصاص وقنابل الغاز".
هنا انتقلت دفة الحديث إلى أنس (14 عامًا) الذي كان شاهدًا على الحدث، فقال بكلمات متقطعة: "كنت متشبثًا بيد أبي بقوة، نشاهد عن بعد جنود الاحتلال المنتشرين خلف السواتر، وفجأة أصبح هناك إطلاق قنابل من كل مكان، فتفرقت عن أبي، ثم سمعت إطلاق رصاص".
وفي تلك اللحظة بدأت الأنباء تصل إلى العائلة عن إصابة نجلها في ظل اعتقادها أن عبد القادر يتناول طعام الجمعة في منزله، قبل أن تنتشر صورة للشهيد على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر إصابته في وسط جسده وفي الوقت نفسه كان قابضًا على مسبحته التي كانت ترافقه في حل وترحاله.
وأصيب عبد القادر برصاصة مباشرة في منطقة البطن، نقل على إثرها إلى مستشفى شهداء الأقصى، وسط القطاع، وبعد بضع ساعات من المكوث في غرفة العناية المكثفة أعلن استشهاده، ليخرج آلاف الفلسطينيين في وداعه ظهر اليوم التالي بجنازة حاشدة طافت أرجاء المخيم.
وقبيل استشهاده بلحظات كان الشهيد عبد القادر يقف على إحدى التلال الترابية المطلة على السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة عام 1948م، يسأل نجله في حوار مقتضب لم يكن يعلم الطرفان أنه الأخير.
_معقول يا أنس نرجع على قريتنا الجمامة؟
_ما في شيء على الله كبير.
وريثما يتحقق هذا الهدف الكبير كانت وصية الوالد ذي الرحمة الكبيرة لأنس خلال حوارهما الأخير أن يعتني بالحمام في المنزل، فما إن تلقي الشمس خيوطها الذهبية الأولى حتى يسارع الخطى نحو سطح المنزل ليزود الحمام بالماء والعلف، "لكن الحمام لا يقدم على الأكل منذ استشهاد أبي، يبدو أنه حزين على رحيله" اختتم أنس حديثه.