فلسطين أون لاين

​إجابات التساؤلات المُلحة في موقف واشنطن من الاستيطان

...
محتجون فلسطينيون يتظاهرون أمام مستوطنة "كفر قدوم" (أ ف ب)
غزة / فيينا - نبيل سنونو

تنفست السلطة الفلسطينية في رام الله الصعداء، أخيرًا، بقرار مجلس الأمن الذي وصف بالتاريخي، بشأن الاستيطان فيما يعرف بحدود 1967 بما فيها شرقي القدس، مقابل هجوم إسرائيلي دبلوماسي وسياسي حاد على القرار ومن صوت لصالحه أو أيده.

هذا القرار جاء بعد ثماني سنوات عجاف من انحياز إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لسلطات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيها، وقبيل اعتلاء الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب، سدة الحكم في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل.

وبهذا المعنى، جاء القرار وامتناع إدارة الرئيس أوباما عن استخدام حق النقض "فيتو" بحقه، في "الوقت الضائع"، وبعد فشل المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون من هزيمة منافسها ترامب، في المعركة الانتخابية حامية الوطيس، التي لا تخلو أبدًا من ضغوط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.

التساؤلات الملحة عما إذا كان هناك "انقلاب" في موقف إدارة أوباما إزاء الاستيطان الذي يمثل ملفًا معقدًا واحدًا من الملفات شديدة التعقيد في القضية الفلسطينية، وعن تداعيات وآثار وأسباب امتناع أوباما عن استخدام "فيتو" في مجلس الأمن ضد قرار الاستيطان، لا حصر لها، أما الإجابات فهي متعددة، لكن هناك ما يرجح منها على حساب الأخرى.

ليس ذلك فحسب، فإن التساؤلات الأكثر سخونة هي عن مستقبل قرار مجلس الأمن المدين للاستيطان، والسياسات المقبلة لترامب بعد توليه الحكم فعليًا، تجاه القضية الفلسطينية، وما إذا كانت السلطة الفلسطينية -التي تتخذ مما تسميه "السلام العادل" استراتيجية لها- ستقوى على مواجهة حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو المدعومة إلى اللانهاية، من قبل الرئيس الأمريكي الجديد.

"يمكن أن نقرأ الحدث من أكثر من زاوية، لكن يجب التركيز على مسألتين اثنتين أولاهما: هي محاولة ربما من إدارة أوباما لكبح اندفاع إدارة ترامب القادمة نحو الجانب الإسرائيلي، تجاه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ونحو ذلك"؛ والكلام هنا للباحث للخبير في العلاقات الدولية، حسام شاكر.

ويضيف شاكر لصحيفة "فلسطين"، أن إدارة أوباما أرادت إيصال رسالة بأنها تحاول كبح جماح ما يمكن أن يأتي من اندفاعات "متهورة" من قبل ترامب، هي تضر في الواقع بالجانب الأمريكي "باعتباره طرفا يفترض أن يكون راعيا لتسوية سياسية"، بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ويوضح أن المسألة الثانية، هي "أن إدارة أوباما تجرعت الكثير من الكؤوس المرة، إن جاز التعبير، من حكومة نتنياهو، خلال فترة ولايتيه الاثنتين، وكان ذلك خاصة في موضوع الاستيطان، ومن أشهرها ما حدث في أوائل زيارات أوباما للمنطقة (الشرق الأوسط) إذ تم الإعلان عن وحدات استيطانية كثيفة تود حكومة الاحتلال تدشينها".

وبالتالي موقف إدارة أوباما، "نوع من رد الصاع بشكل أو بآخر للجانب الإسرائيلي في اللحظة الأخيرة"؛ بحسب شاكر.

ويتابع: "هاتان الرسالتان مهمتان في العموم، لكن لا بد أن نكون واضحين، هذا القرار ينسجم إلى حد كبير مع توجه الإدارة الأمريكية المعلن على الأقل، بمعنى أن طبيعة القرار وفحواه ينسجم مع موقف الإدارة الأمريكية لكنها اعتادت على استخدام حق النقض في مجلس الأمن، هذه المرة لم تستخدمه، وهذا هو الجديد في الموضوع".

واستخدمت واشنطن الفيتو في 2011 لمنع إقرار مشروع قرار مماثل يطالب بوقف الاستيطان، لكنها امتنعت هذه المرة عن التصويت في خطوة تاريخية مما أدى إلى تبني مجلس الأمن للقرار. وتعتبر سلطات الاحتلال- التي احتلت الضفة الغربية في 1967 وضمت شرقي القدس في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي- كل المستوطنات غير قانونية.

وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تحدثت منتصف الأسبوع الماضي لنحو 45 دقيقة، عن رؤيته للتسوية بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن ما يوصف "بحل الدولتين" في خطر بسبب الاستيطان وما أسماه "التحريض والعنف".

"صندوق أسود مغلق"

لكن يبقى تساؤل حاسم، وهو عن الخطوات التي قد يتخذها ترامب بعد 20 يناير، فالرجل صريح للغاية في انحيازه لـ(إسرائيل)، وطالبها في تغريدة عبر موقع التدوين المصغر "تويتر" بأن "تظل قوية".

وعن ذلك يقول شاكر: "إن ترامب شخص من الصعب توقع ما سوف يقدم عليه، فهو لم يسبق له أن مارس السياسة مباشرة، وعمليا نحن إزاء صندوق مغلق أسود، لا يمكن التكهن بما سيأتي به".

ويضيف: "بالتالي نحن أمام مفاجآت كثيرة، وهناك بالتأكيد ما يقلق من ترامب، مثل وعوده وشعاراته المرفوعة وما يتعلق بالشرق الأوسط"، مبينًا أنه حتى لو حصل "شيء من التعقل" لدى ترامب فإن هناك "اندفاعة واضحة من جانبه".

وبذل ترامب جهودًا حثيثة خلال الشهر الجاري، لمنع التصويت على مشروع القرار المصري لإدانة الاستيطان، وقد نجح في ثني القاهرة عن الاستمرار فيه، إذ اتخذت قرارًا بتأجيل ثم سحب مشروع القرار نهائيا، قبل أن تتبناه السنغال ونيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا.

ويلفت شاكر إلى أن الرئيس المنتخب هو "مدين إلى حد كبير بدعم ربما من أوساط (في الولايات المتحدة) مؤيدة للاحتلال"، خلال تنافسه على منصب الرئاسة، مشيرا إلى أن ذلك يجعل ترامب في حاجة إلى "تسديد شيء من الثمن لقاء ذلك".

ويتمم: "نحن أمام مفاجآت بكل معنى الكلمة"، مؤكدًا ضرورة أن يتخذ الجانب العربي والفلسطيني من الخطوات ما يمنع الاندفاع لدى ترامب.

وكان ترامب أعلن في رسالة لصحيفة "(إسرائيل) اليوم" تأييده لمفاوضات تسوية مباشرة دون وسيط دولي، مؤيدا بذلك موقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، عدا عن أنه خلال حملته الانتخابية، وعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وإبقاء المدينة كما أسـماها "عاصمة موحدة لـ(إسرائيل)" -على حد قوله- كما اعتبر مستشاره ديفيد فريدمان، أن المسـتوطنات "ليست غير شرعية"، مشيرا إلى أن هذا موقف يشاركه به ترامب.