قائمة الموقع

​4 مرضى في "عِشة" فوق "أنفاق الجرذان"

2018-03-26T07:00:47+03:00

لا يزال الحصار يفرض أطنابه على قطاع غزة، يأبى أن يترك هذه المساحة الصغيرة من الأرض تعيش بحرية، وتنعم بحقوق أي إنسان يعيش في هذا الكوكب، ليغرقه فقرًا وقهرًا وألمًا.

بطل قصتنا لهذا اليوم "عثمان"، وهو شاب في التاسعة والثلاثين من العمر، لا يملك من مقومات الحياة سوى رخصة قيادة، هي وسيلته الوحيدة لكسب قوت عائلته المكونة من ثمانية أفراد بينهم أربعة مرضى، وجميعهم يعيشون في منزل متهالك مساحته لا تزيد على 100 متر.

حجارة رملية

كان يقود سيارة الأجرة ويقلب كفيه في بؤس واضح، لفت انتباه الركاب معه، حتى بادر أحدهم إليه بالسؤال: "ما خطبك"؟ فأجاب: "عندي أربعة مرضى، لا أستطيع أن أوفر لهم الخبز حتى أوفر لهم الدواء".

يعمل عثمان سائقًا على سيارة أجرة "بنزين"، يكدح طوال نهاره حتى يعود في آخر يومه بعشرة شواقل إلى منزله، وبالكاد يفعل، وإن اضطر لشراء علاج ضروري لا يقبل التأجيل يضطر للاستدانة، أو يطلب من مالك السيارة ليعطيه.

"بطلت الناس تعطيني دين".. قالها عثمان بحسرة وأتبعها: "الناس يعطوكَ ديْنًا لمرة ومرتين، لكن ليس دائمًا".

المرضى الأربعة هم زوجة عثمان، وثلاثة من أبنائه، وعن أكبرهم قال: "ابني الأكبر إياد عمره 17 عامًا يعاني من زيادة الكهرباء في جسده، وبسببها تصيبه حالات يتشنج فيها جسمه ولا يعود يقوى على الحركة"، مضيفًا أن تلك الحالة تباغت إياد في كل مكان، فقد تصيبه في الشارع أو المدرسة.

وتابع: "كلما أصابته الحالة هرع إليّ الناس (إلحق ابنك)، فأذهب لإسعافه بنفسي".

سألته كيف تسعفه بنفسك؟، فأجاب: "في حالات التشنج نخشى على المريض أن يبتلع لسانه فيموت، وما أقوم به هو أن أفتح فمه بواسطة بشكير لأمنعه من ابتلاع لسانه.."، وهنا "عثمان" توقف عن المتابعة.

أن تكون أبًا وترى ابنك في مقتبل العمر ملقى على الأرض بين الحين والآخر، وفي كل مرة يكون احتمال فقده وارد، تلك مصيبة ما بعدها مصيبة، فهذا الشاب اليافع يبدو لوالده مهددًا ربما يفقده في أي لحظة، وعن حاله أوضح: "يحتاج تخطيطًا للمخ تكلفته 50 شيقلًا، لا أستطيع توفيرها".

وإن كنت موظفًا

أما المريض الثاني في هذه العائلة فهو الطفل "سامر" وهو في الصف الرابع الابتدائي ويعاني من مرض الثلاسيميا، وهو وراثي خطير وغير معد، ويحتاج لعلاج مدى الحياة على شكل عمليات نقل دم شهرية وتناول يومي للدواء لإزالة الحديد الزائد في الجسم، والعلاج مكلف ماديًا.

المريض الثالث.. الطفلة "بسمة"، وعمرها ثلاث سنوات فقط، وتعاني من حموضة في الدم، مما يعرضها لمشكلات صحية في حال تجاوز الحد المعقول، ويحتاج هذا النوع من الأمراض إلى أدوية خاصة وحمية خاصة أيضًا.

عنها قال والدها: "تحتاج إلى نوع خاص من الحليب تكلفة العبوة الواحدة 55 شيقلًا.."، وصمت قليلًا ثم أضاف: "حتى وإن كنت موظفًا فلن أستطيع توفيرها".

وتعاني "بسمة" بسبب هذا المرض من إسهال مزمن، وقد لجأ والدها للطب العربي لعجزه عن توفير تكلفة علاجها.

الأم، هي المريض الرابع في هذه العائلة، تعاني من وجود مياه زرقاء في عينها، وتحتاج إلى عملية لسحب هذه المياه حتى لا تؤثر في قدرتها على الإبصار، وهو ما لا يستطيع "عثمان" تحمل نفقته.

التقاط الصور

عن حاله، قال: "أعيش في منزل من حجر رملي قديم منذ 13 عامًا، وهو طابق أرضي يجثو فوق أنفاق الجرذان التي تقفز فوقنا ونحن نيام، المنزل مُكوَّن من ثلاث غرف لكننا ننام في غرفة واحدة خوفًا من (العِرس)".

وأضاف: "ليس في منزلي أبواب ولا شبابيك، والله الناس يبكون على حالي.."، قاطعت حديثه متسائلة: "ألم تتلقَ مساعدة من جمعيات أو من وزارة الشؤون وغيرهما؟"، فأجاب: "يأتي الزائر من هذه الجهات لالتقاط الصور فقط ويغادر دون أن أحصل على شيء".

واسترسل: "قبل أربعة أعوام، جاءنا زوّار والتقطوا الصور معنا في الشتاء.. كان مياه الأمطار تتسرب من سقف المنزل (زينجو)، ولا شبابيك أو أبواب للمنزل، والأرض تحفرها الجرذان رغم إغلاقي لفتحاتها بالأسمنت لكنها تعاود الحفر من جديد.. التقطوا الصور وغادروا بعد أن وعدوني بالمساعدة وأعطوني 50 دولارًا، لأعلم بعدها أنهم جمعوا على حالتي 12 ألف دولار".

يقسم عثمان أنه لم يتذوق الدجاج منذ ستة أشهر، موضحا: "أنا بالكاد أؤمن الخبز للأبناء، وفي أيام كثيرة أرفض العودة إلى المنزل قبل أن أكمل العشرة شواقل لأجلهم.. فكيف أشتري الدجاج؟ وكيف أشتري الدواء؟".

تركت "عثمان" يشكو همّه لله، علّه يرسل له من يسمع نداءه ويتكفل بعلاج أطفاله، أو على الأقل يمنح أطفاله طعاما من سائر ما يأكل البشر لا أن تقتصر وجباتهم على الخبز والدُّقة والهَم.

اخبار ذات صلة