لم يكن قرار شركة "الفيس بوك" إغلاق موقع الجبهة الشعبية مفاجأة وقد جاء بعد تصريح أدلته قبل أيام وزيرة القضاء الصهيونية أيليت شاكيد عن حزب البيت اليهودي المتطرف قالت فيه "إنها ستتخذ إجراءات قانونية وسياسية وخطوات أخرى ضد شركة تويتر لأنها تسمح بنشر ما اعتبرته بالمحتويات التحضيرية على النت".
وقد جاء في تصريحها خلال اللقاء الذي أجرته على القناة 13 العبرية "أنها تتوقع من تويتر الاستجابة للمطالب الإسرائيلية بوقف التحريض أسوة بالفيس بوك والتي التزمت بالمعايير الإسرائيلية وأجهزة أمنها وبدأت منذ فترة بإزالة ما اعتبرته المواد والمحتويات التحريضية على صفحاتها".
لا حدود للوقاحة الصهيونية فجل المواد التحريضية بالنسبة للوزيرة "شاكيد" المعروفة بعنصريتها هي أي مادة مكتوبة أو مصورة تنتقد سياسات الدولة العبرية، وهذا بالنسبة للكيان الصهيوني وأصدقائه الغربيين نابع عن كراهية، وأن دولة الاحتلال أعلى وأطهر وأسمى من أن يمسها أي نقد فهي دولة مسالمة وضحية وواحة ديمقراطية في صحراء عالم عربي معادٍ ولا سامي.
تتعامل شركة "فيس بوك" بازدواجية منذ فترة، ففي الوقت الذي تحد من نشر ما يكشف الانتهاكات الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا والمنطقة عبر إغلاق المواقع ذات الصلة، فإنها في نفس الوقت تسمح بنشر المواد العنصرية والتحريضية الصادرة عن العصابات الصهيونية، بل وتكافئ الكيان المحتل بافتتاح مقر دائم لها في "تل أبيب" يوظف مئات العاملين.
وعلى سبيل المثال لا الحصر تسمح شركة "الفيس بوك" للمدعو "مردخاي" الناطق بلسان جيش الاحتلال الصهيوني بتهديد السكان الآمنين والعزل في غزة والضفة بلغة عربية مكسرة وفظة على حسابه على الفيس بوك ولا تحرك ساكنًا، كما تسمح لإحدى المؤسسات اليمينية العنصرية المتعصبة بنشر وسائل تحريض ضد الجموع الفلسطينية وحتى ضد المؤسسات الحقوقية التي تسجل انتهاكات الاحتلال على غرار "هيومن رايتس" وغيرها، وذلك عبر عشرات الحسابات على الفيس بوك تدعو بها إلى الاعتداء الصريح على هذه المؤسسات.
وكذلك لا تفعل شركة "فيس بوك" شيئًا أمام مئات المواقع لديها لليمين المتطرف الصهيوني على غرار "تاك نحير "شباب التلال" والذين يدعون لمحاربة الفلسطينيين المدنيين ويطرحون أفكارًا وطرقًا "خلاقة" لحرق البيوت والجوامع والكنائس واقتلاع الأشجار والاعتداء على الممتلكات والمزارعين والسكان الآمنين.
إن هذه المعايير المزدوجة تدلل على تواطؤ شركة "الفيس بوك" في سعيها لاضطهاد الشعب الفلسطيني وانتهاك حريتهم، وبالتالي هي شريكة بالجريمة وبالتطهير العرقي الذي يُمارس على شعبنا، فلا يكفي ملاحقة "فيس بوك" انتهاك خصوصية المواطنين واستخدام معلوماتهم الخاصة والمتاجرة بها مع شركات أجنبية ووكالات أمنية على غرار فضيحة السماح لشركة "كامبريدج أناليتيكا" ذات الشبهات الأمنية باستخدام عدد هائل من المعلومات الخاصة بمستخدمي "الفيس بوك" لغرض حملة "ترامب" الدعائية الانتخابية، إنما أيضًا تقوم بإغلاق حسابات مشتركين دون وجه حق لتحد من مقدرة المواطن على التعبير عن رأيه، فالشركة تارةً تتاجر بمعلومات المواطنين وخصوصياتهم، وتارةً تتاجر بحقوقهم السياسية، وتارةً أخرى تتاجر بدمائهم عبر السماح بقوى إرهابية واحتلالية عنصرية لبث كل وسائل التحريض ضد المواطنين الآمنين.
كما استطاعت هذه الشركة ذات الميزانيات المالية الفلكية تطوير شبكة علاقات فاسدة مع هوامير السلطة والثورة ووطدت علاقاتها المشبوهة مع أجهزة أمن معادية لاسيما الصهيونية منها.
"مارك زوكربيرغ" صاحب شركة "الفيس بوك" أغلق أحد أهم المنابر التي تمارس المقاومة الشريفة عبر الكتابة والتعبير عن الرأي وتوثيق انتهاكات الاحتلال ضد أبناء شعبنا، وموقع الجبهة الشعبية يشكّل تلك المساحة الصغيرة التي تعزز حق الشعوب في مقاومة الاحتلال ورفض الظلم والاضطهاد.
يبدو أن "زوكربيرغ" عازمًا في طموحه للوصول إلى سلم الرئاسة الأمريكية في عام 2024 المرتقبة عبر تقديم صكوك الغفران للدولة العبرية على قاعدة أن الطريق للبيت الأبيض يمر عبر "تل أبيب".
وقد يتهمنا "زوكربيرغ" باللاسامية لأننا انتقدناه عبر هذا المقال خاصة وأنه من أصول يهودية، فأي إساءة لعلاقاته المشبوهة مع الكيان الصهيوني تعتبر من المحرمات، فالعقيدة الكونية الرأسمالية الحديثة مبنية اليوم على أساس الامتناع عن التعرض لأي شخص أصوله يهودية ووصف ذلك بالعنصرية واللاسامية بل وحتى النازية، فهذه تهم جاهزة لكل ما يتجرأ على النقد.
لكن النازية يا سيد "زوكربيرغ" هي تلك الفئة العنصرية التي تكره الآخر وتحتقره وتضطهده وتنظر إليه بدونية وتعتبر نفسها فئة مختارة بين الشعوب، ولا شك أن هذا الوصف لا ينطبق اليوم بشكل جلي إلا على فئة واحدة من المجتمعات وهو المجتمع الصهيوني الذي يحاكي النازية في جرائمه ضد الشعب العربي الفلسطيني، فالفلسطيني اليوم هو يهودي الأمس إبان الحرب العالمية الثانية ويهودي اليوم هو نازي الأمس على حد تعبير رئيس الكنيست الأسبق "إبراهام بورغ" نفسه.
من المهم الإشارة إلى أن استجابة "الفيس بوك" للإملاءات الصهيونية نابعة من عدة دوافع منها تواطؤ السيد "زوكربيرغ" مع الكيان الصهيوني منذ البدايات، إضافة إلى نشاط الحكومة الصهيونية والجهات الداعمة لها في أنحاء العالم وفعاليتها في تشكيل قوة ضغط هائلة على الشركات العملاقة مثل "جوجل والفيس بوك" وغيرها مستفيدة من النفوذ التي تتمتع بها في أوساط رجالات الكونجرس الأمريكي المتواطئين مع دولة الاحتلال الصهيوني حفاظًا على تحالفهم الاستراتيجي مع نظام الاستعمار الصهيوني لفلسطين.
إن من المهام المنوطة بالقوى الحية والديمقراطية العربية والعالمية تشكيل قوة ضغط حقيقية بكل الوسائل السياسية والقانونية والقضائية والجماهيرية من أجل ثني تلك الشركات عن التعاون الأعمى مع دولة الكيان، كما على الجماهير التفكير الجدي بمقاطعة تلك الوسائط للشركات المتواطئة مع الاحتلال في حال لم تستجيب للمطالب العادلة لشعوب المنطقة.
وأخيرًا، فإن موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سيبقى حيًا يثري الواقع الفلسطيني والعربي والدولي بمنطلقات تحررية ثورية وإنسانية وفكرية، وسيبقى إضاءة تنويرية مقاومة لكافة المحاولات لإسكاته فصوت الحق أعلى دومًا من صوت الاحتلال والظلم.