خرج علينا وزير الخارجية الأميركية جون كيري مساء الأربعاء وألقى خطابا مطولا أشبه بالمحاضرة الجامعية المُملة، يلقيها على الحاضرين، لكنها لم تعبر في واقع الأمر، عن رؤية أو إعلان أو بيان وكل ما ركز عليه الوزير المطالبة بإنهاء الاحتلال وحل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينية بجانب (إسرائيل)، ولم ينكر دعم وتأييد إدارة اوباما لها ماديا وسياسيا وعسكريا، وكان قد دافع عن موقف بلاده من قرار مجلس الأمن الأخير لإدانة الاستيطان ومخاطره وقال انه يدمر عملية (السلام) كليا ويقضي على حل الدولتين ويقود الزاميا إلى حل الدولة الواحدة وهذا ليس في مصلحة (إسرائيل). وتطرق لمعاناة الفلسطينيين في القطاع وطالب برفع الحصار، وكذلك في الضفة الغربية وصعوبة التحرك بسبب الحواجز الإسرائيلية وكيف تقيم (إسرائيل) المزارع وتستثمر الأراضي وتقيم المستوطنات في الأغوار بينما لا يتمكن الفلسطيني حتى من الوصول إلى أرضه. واختتم كيري خطابه بتقديم خطة (للسلام) من ست نقاط اكد فيها على إقامة دولة فلسطينية في حدود 67 مع تبادل للأراضي وتكون شرقي القدس عاصمة لها وإيجاد حل لقضية اللاجئين وتقديم التعويضات لهم وتمكينهم من العيش في دولة مستقرة وآمنة. ودعا إلى اعتراف عربي بموجب مبادرة (السلام) العربية بـ(إسرائيل) في حدود دولية آمنة وكذلك الاعتراف بحقوق اليهود بالقدس وان تكون عاصمة لهم.
خطاب كيري يشكل إلى حد كبير تصورا معقولا للتسوية وإزالة أسباب واحتمالات التوتر والاقتتال والعنف في المنطقة ولكن يوجد علامات استفهام وتعجب خيمت على الخطاب، أنه جاء في الوقت الضائع، وقبل أيام قليلة من تركه منصبه في إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، لذا فإن الخطاب لم ولن يضيف جديداً للقضية الفلسطينية أو دولة الاحتلال الإسرائيلي، فالكل يعرف ما قاله الوزير وهي نفس لغة الإدارات الأمريكية السابقة، فقبل رحيل إدارة اوباما تريد أن يذكرها التاريخ أنها عرضت رؤية (للسلام) فقط بدون تطبيق أو حتى قبول من الأطراف، بدليل أن كيري قام بنحو 23 جولة خلال 8 سنوات الماضية بشأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي انتهت جميعها بصفر كبير، والحقيقة يريد الوزير أن يبرئ ساحة إدارة اوباما أمام التاريخ وإخلاء طرفها من المسؤولية وما قدمته من دعم مالي وعسكري غير مسبوق (لإسرائيل)، لأنه يعلم أن طرحه لا يقدم ولا يؤخر في الواقع شيئا، فكل المؤشرات تؤكد أن الإدارة الأمريكية المقبلة ستكون أكثر دعماً (لإسرائيل)، وان كلام كيري ما هو إلا للاستهلاك الإعلامي فقط لرفع العتب ولتجميل صورة بلاده وليس كما يدعي "إيقاظ ضمير"، لأن ما نسمعه من الرئيس الجديد مغاير تماما لأقوال كيري، حتى نتنياهو وصف كيري بالمخبول ولم يهتم كثيرا لكلامه، إذاً حظوظ خطة كيري ستكون معدومة.