تطل حشرة "البق" على الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كمنغص دائم وضيف ثقيل لا يفارقهم لحظة، إلا تاركًا بصمته الحارقة على أجسامهم، والتي تدوم لأيام طوال ودون أي إمكانية لمجابهته بعلاج يذكر.
ولربما يخشى الأسرى داخل زنازينهم من حشرة "البق" أكثر من الأفاعي السامة، أو حتى أكثر من جنود وحدات القمع الإسرائيلية بما يحملونه من أسلحة وأدوات قهر، والتي وصل صيتها أرجاء الأرض جميعها.
وبحسب تقارير حقوقية فإن حشرة البق كما يطلق عليها الأسرى واحدة من بين عدد من أنواع الحشرات والزواحف التي يعاني منها الأسرى داخل سجونهم وتنغص عيشهم، في وقت لا تقدم إدارة سجون الاحتلال على اتخاذ الإجراءات المناسبة للحيلولة دون وصول الحشرات والزواحف والقوارض إلى باحات وغرف السجون.
يقول الأسير المحرر أحمد البيتاوي الذي عايش بتجربة أسر سابقة لدغات الحشرة، إنها لمن لا يعرفها حشرة سوداء زاحفة بحجم حبة السمسم، لا تروق لكل الأجسام، وتقرص الجلود.
ويضيف لـ"فلسطين": "كان الأسرى ينامون ملثمي الوجه، ويضعون في أيديهم "جرابات" كما في الأقدام من أجل حماية أنفسهم منها، غير أنه ورغم هذه الاحتياطات، تنجح حشرة البق في مهاجمتهم، والتسلل من بين الفراغات للقرص".
وبحسب تجربة الأسر التي قضى فيها البيتاوي 14 شهرا في سجن "عوفر" فإن الحشرة تعيش بين أبراش الأسرى وملابسهم وفي علب مفاتيح الكهرباء، تسكن نهارًا وتنشط ليلًا، كما أنها لا تعرف السكون لا صيفًا ولا شتاءً، تستل رأسها المدببة وتغرسه في جسد الأسير ولا تتركه إلا بعد أن تملأ عروقها دمًا.
ولفت البيتاوي النظر إلى أنه وفي أحد أيام أسره استيقظ قاصدًا بيت الخلاء، فنظر في المرآة فلم يعرف نفسه، من كثرة القرصات التي تعرض لها وجهه، وجفون عينيه.
ويروي الأسير المحرر أنس عمار أنه وفي إحدى ليالي فترات سجنه لدى الاحتلال بسجن النقب الصحراوي لدغته حشرة "البق" مرات لا يستطيع عدها، وأن لدغة هذه الحشرة كانت تعني له البقاء ساهرا طوال الليالي بما تسببه من حكة شديدة.
ويشير لـ"فلسطين" إلى أن أكثر ما كانت تقوم به إدارة السجن الإسرائيلي هو إعطاء الأسرى مرهم زيتي، يكاد يكون مفعوله عكسيًا في مقاومة الحشرة، أو ترطيب أماكن لدغها في جسم الأسير.
ولفت إلى أن الأسرى وبما تصيبهم حشرة البق من آثار مؤلمة على أجسامهم، يحاولون مجابهتها عبر سد ثقوب أبراش النوم الخشبية في غرف السجن، بمعجون الأسنان، أو الحلاقة، مع إخراج الملابس والبطانيات يوما في الأسبوع تحت أشعة الشمس.
وينبه عمار إلى أن محاولات الأسرى لمجابهة الحشرة ومقاومتها في المكان، إلى جانب ما يرتدونه من أغطية وألبسه تغطي أجسامهم أثناء الليل والنوم، إلا أنها جميعًا محاولات تبوء بالفشل.
ويتوزع نحو 6500 أسير فلسطيني على 23 سجنًا إسرائيليًا، يعانون من ظروف معيشية وإنسانية وصحية قاسية بفعل السياسات الممنهجة التي تتبعها إدارة سجون الاحتلال بحقهم، المخالفة للاتفاقيات والمواثيق الدولية.