إن وكالة الغوث التي يحاربها ترامب وتدعو (إسرائيل) إلى حلها نهائيًا، هي منظمة أنشأتها الأمم المتحدة وتقدم المساعدات إلى أكثر من خمسة ملايين فلسطيني شردهم الاحتلال ويعيشون في ظروف سيئة للغاية في أنحاء العالم وبصورة خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا، وقطع المخصصات أو المساعدات المالية عنها يعني محاربة وتجويع كل هذه الملايين والمطلوب هو العكس تمامًا.
لقد عقد في الأيام الخيرة عدة مؤتمرات بهذا الخصوص، حيث نظم الرئيس الأمريكي مؤتمرًا في البيت الأبيض شاركت فيه 13 دولة واللجنة الرباعية وذلك للبحث في ما أسموه "تدهور الأوضاع" في غزة من جهة، وتجميد واشنطن لمبلغ 65 مليون دولار من الدعم المقدم لوكالة الغوث، من جهة أخرى، علمًا بأن غالبية أهالي غزة هم من اللاجئين الذين يعتمدون بشكل أساسي على ما تقدمه الوكالة لهم.
عندنا مثل شعبي يقول: "أسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أستعجب"، هذا مثل ينطبق على ترامب يقول شيء ويفعل عكسه، فهو يدرك أن أحد أهم أسباب معاناة أهالي غزة هو الحصار الذي تفرضه عليهم حليفتها (إسرائيل) التي يقدم لها كل ما تطلبه سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا ومعنويًا، ويستطيع لو كان معنيًا فعلًا بما يحدث في القطاع لطالب نتنياهو الذي استقبله في البيت الأبيض قبل انعقاد هذا المؤتمر بيوم برفع الحصار فورًا، ولكن الواضح أن له أهدافًا أخرى من هذا المؤتمر، ولهذا رفضت السلطة الفلسطينية المشاركة في هذا المؤتمر.
كما ينسى ترامب أن معاناة أهالي الضفة والقدس بصورة خاصة من الاحتلال وأعمال التهويد ومصادرة الأرض وتهجير المواطنين، ولا يدعو إلى وقف الاستيطان مثلًا، ولا إلى حل عادل يقوم على أساس حدود 1967 وإنما يزيد الطين بلة، ويعترف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل).
لكن على ما يبدو أن المنظمة الدولية هي الأخرى فقدت الثقة في الإدارة الامريكية الحالية وتعدّ تصريحات ترامب ما هي إلا تسويف وخداع، لذا عقدت مؤتمر في روما لتمويل الوكالة بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، شارك فيه تسعين دولة وذلك للعمل على سد النقص الذي تعاني منه الوكالة ماليًا وقيام المجتمع الدولي بدوره في انقاذ الوكالة من المأزق الكبير الذي تواجهه والعجز المالي الذي يهدد وجودها.
شعبنا الذي قال: "لا لترامب" بسبب تجاوزه كل الخطوط الحمراء واستهتاره بالشرعية الدولية وقراراتها وتصرفه بالحقوق الفلسطينية وكأن القدس ملك له، أو كأن قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم قسرًا مجرد قضية إنسانية ويحق له التصرف بها وشكلها، يرفضون أية مشاريع أو حلول أو مقترحات سواء كان اسمها "صفقة القرن" أو غيره تنتقض من هذه الحقوق التي اعترف بها المجتمع الدولي بأسره وأكدتها قرارات الشرعية الدولية سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة على مدى عقود منذ نكبة عام 1948 حتى الآن.
على ترامب وغيره العودة إلى التاريخ وقراءة تاريخ النضال البطولي لشعب فيتنام وشعب الجزائر وشعب جنوب أفريقيا وغيرها من الشعوب التي انتصرت على مستعمريها وعلى التمييز العنصري البغيض رغم جبروت وقوة هؤلاء المستعمرين.