في الساعات الأولى من 14 يناير 2018 قصف سلاح الجو الإسرائيلي نفقا لحماس يربط بين (إسرائيل) ومصر وقطاع غزة، وقد تم حفره تحت أعماق معبر كرم أبو سالم. امتد النفق من غزة ل 180 مترا داخل (الأراضي الإسرائيلية) وكان يحتوي على خطوط غازية وأنابيب ديزل وامتد نحو شبه جزيرة سيناء المصرية. ووفقًا لمسؤولين إسرائيليين، لم يكن الهدف منه فقط تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى غزة من مصر، بل أيضًا السماح بهجمات متزامنة على منشآت الحدود الإسرائيلية من نقاط متعددة. كان هذا واحدًا من ستة أنفاق في غزة دمرتها (إسرائيل) منذ أكتوبر.
كما تعمل (إسرائيل) الآن بجد لوضع حل دائم -يعرف باسم "العقبة" - للأنفاق عبر الحدود. إن العائق فوق سطح الأرض هو جدار بارتفاع ستة أمتار، ولكن هناك تحت الأرض حاجز عالي التقنية من البنتونيت والخرسانة و "الأقفاص الحديدية الكبيرة" وهو مقترن بنظام مراقبة وأجهزة استشعار للكشف عن الأنفاق. حتى الآن تم بناء أربعة فقط من 65 كيلومترًا مخططًا لها للبناء، ولكن من المقرر أن يكتمل جدار العقبة بحلول نهاية عام 2019. وفور اكتماله، سيطوق غزة تمامًا، وسيكون من المفترض أنه سيمنع أي نفق مستقبلي إلى (إسرائيل).
تمثل الأنشطة الإسرائيلية المناهضة للأنفاق آخر جولة في نضالها المستمر من التكيف الاستراتيجي بين (إسرائيل) وحماس. وطالما ظلوا في حالة صراع، فإن (إسرائيل) وحماس قد تم توريطهما في حالة من التكيف والتقلب بحيث يتعلم كل طرف من الآخر، في جوهر الأمر، تسعى حماس باستمرار إلى تطوير وسائل لاستغلال نقاط الضعف الإسرائيلية، وعندما تنجح، تتكيف (إسرائيل) مع قدراتها الخاصة، مما يجبر حماس على مواصلة الابتكار، الأمر الذي يحرض بدوره على ردود إسرائيلية جديدة. لقد كان النمط واضحا بشكل خاص منذ "فك الارتباط" الإسرائيلي من غزة في سبتمبر 2005، لكن هذا النمط من التعلم التكيفي يتطلب تحليلاً أوثق.
فقبل انسحاب (إسرائيل) من غزة في عام 2005، كانت الصراعات المسلحة مع حماس تتعلق أساسًا بالقوات الإسرائيلية التقليدية، وتمحورت أساسًا حول حماية المستوطنات الإسرائيلية داخل غزة. ومع ذهاب المستوطنات، لم تعد حماس تمتلك أهدافًا إسرائيلية داخل غزة يمكن أن تهاجمها. وعلاوةً على ذلك، أعادت (إسرائيل) بناء حاجز فوق الأرض حول غزة في الفترة 2000-2001، مما منع الهجمات عبر الحدود، مثل غارات الفدائيين الشهيرة، وأحبطت قدرة حماس على شن هجمات برية منتظمة.
وردت حماس بتركيز جهودها على قذائف الهاون والصواريخ. هذه الأسلحة سمحت لها بالالتفاف على الحاجز المفروض حول غزة. وقد كانت الأسلحة رخيصة وسهلة الإنتاج نسبياً، وتزعم (إسرائيل) أنها وفيرة، كنتيجة للمساعدة الإيرانية. وبناءً على ذلك، طلبت (إسرائيل) من المباني العامة القريبة من غزة تلبية معايير جديدة من التحصين قادرة على تحمل آثار الصواريخ. وكان على كل شقة بنيت حديثاً في (إسرائيل)، بغض النظر عن قربها من غزة، أن تُركّب غرفة آمنة فمثل هذه التدابير تحد من الضرر المحتمل من الهجمات الصاروخية، لكنها لم تمنع الهجمات.
لكن في ربيع عام 2011، ردت إسرائيل بشكل حاسم من خلال نشر نظام القبة الحديدية الجديد، واعترضت أول صاروخ لها. القبة الحديدية هي نظام دفاع جوي استباقي مصمم لاعتراض قذائف تطلق من مسافة تتراوح بين 4 إلى 70 كم. وتحسب مسار القذيفة، ثم تطلق صاروخًا لاعتراضها.
وقد تجلت قيمة القبة الحديدية بشكل واضح خلال عملية عمود السحاب في نوفمبر 2012. وكان أحد أهداف العملية هو التقليل بشكل كبير من قدرة حماس والجماعات الأخرى في غزة على تصنيع وإطلاق الصواريخ وإطلاق قذائف المورتر. ولأن القبة الحديدية قللت بشكل كبير من خطر الهجمات القاتلة على الإسرائيليين، فقد أضافت القيادة الإسرائيلية مجالاً واسعاً لاختيار كيفية تحقيق أهدافها. وإذ رفضت (إسرائيل) المخاطرة بحياة الجنود في عملية برية، أجرت العملية بأكملها من الجو، وهاجمت أهدافًا في غزة إلى أن وافقت حماس على وقف إطلاق النار.
دفع تفوق (إسرائيل) الجوي حماس إلى تطوير شبكة رائعة من الأنفاق تحت غزة. بنيت هذه البنية التحتية تحت الأرض للأغراض اللوجستية والتشغيلية، وخاصة في أوقات القتال البري المكثف. وقد لعبت الانفاق دورا رئيسيا في اختطاف الجنود خلال حملات عسكرية برية. ومع ذلك، سرعان ما تم استخدام الأنفاق لتنفيذ هجمات على (إسرائيل). ومن الأمثلة على ذلك اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 25 يونيو 2006. إن استعداد (إسرائيل) لدفع ثمن باهظ مقابل عودة جنودها، أو لجثث القتلى، وفر حافزاً قوياً لمقاتلي حماس لخطف مزيد من الجنود. احتجزت حماس شاليط حتى 11 أكتوبر 2011. حيث أفرج عنه في صفقة التبادل، تمتعت المجموعة بالفضل فيها لإجبارها (إسرائيل) على إطلاق سراح أكثر من 1000 سجين فلسطيني من السجون الإسرائيلية. علاوة على ذلك، سمحت الأنفاق بهجمات مفاجئة وعمليات اختطاف خلال الحملات العسكرية الأخيرة، عندما دخلت القوات الإسرائيلية إلى غزة. على سبيل المثال، خلال عملية "الجرف الصامد"، تم استخدام نفق داخل غزة لاختطاف جثة الملازم هدار غولدن، وتم استخدام نفق آخر لحركة حماس عابر للحدود لمهاجمة نقطة إسرائيلية ما أسفر عن مقتل 11 جنديًا. يتطلب بناء كل من هذه الأنفاق من حماس استثمار ملايين الدولارات، لكن الشبكة أثبتت أنها ذات قيمة استراتيجية. كانت (إسرائيل) على دراية بالمخاطر التي تشكلها أنفاق حماس، لكنها ناضلت في البداية لاتخاذ إجراءات مضادة فعالة. تم العثور على أنفاق عابرة للحدود من حين لآخر، ولكن حتى وقت قريب لم تكن (إسرائيل) قد طورت حلاً فعالاً للأنفاق.
التطورات المستقبلية مع قيام (إسرائيل) ببناء الجدار المسمى بالعقبة كرد فعل على هجمات حماس عبر الحدود، بدأت تدفع حماس إلى تشكيل “جيش طائرات بدون طيار" وكذلك التركيز على الهجمات عبر البحر. في الواقع، لقد أنشأت حماس بالفعل وحدة كوماندوز برمائية. وشنت هجومًا في 8 يوليو 2014، لكن مقاتليها قتلوا قبل أن يتمكنوا من مغادرة الخط الساحلي. التهديد الحقيقي الناشئ الذي يزعج المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين هو الطائرات بدون طيار، حيث لا يوجد حتى الآن أي حل تكنولوجي محدد أو حاجز مادي يعترض بشكل حاسم هذه الآلات الصغيرة الرشيقة. أحد الردود الاستراتيجية المحتملة هو زيادة تحسين القبة الحديدية، التي أثبتت بالفعل قدرتها على اعتراض بعض الأجهزة البدائية. ومع ذلك، فإن التحديات الاقتصادية والتكنولوجية لتطوير قدرات مضادة للطائرات بدون طيار كبيرة. في الوقت الحالي، يبدو أن الخطوة التالية ستكون لدى حماس، والتي ستكون حريصة على إيجاد وسائل مبتكرة لتوسيع وتحديث أسطولها من الطائرات بدون طيار، حتى مع تكثيف (إسرائيل) لجهودها المكافحة لنقل التكنولوجيا.