غزة-القدس المحتلة/ عبد الرحمن الطهراوي:
لم يكن خبر مصداقة الكنيست الإسرائيلي على قانون يخول وزير داخلية الاحتلال بسحب هويات المقدسيين، حدثًا مفاجئًا عند المقدسي أنور فراح (43 عامًا) فطالما أغرق الاحتلال أهالي مدينة القدس المحتلة بسلسلة غير منتهية من الأزمات والقيود بهدف دفع السكان الأصليين للخروج من مدينتهم.
ويرى فراح، الذي يقطن مدينة القدس منذ ولادته عام 1975، أن قانون الكنيست الجديد يهدف إلى تهجير المقدسيين من منازلهم وإجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم، وهو بذلك يندرج ضمن الأهداف المشتركة التي يسعى الاحتلال لتحقيقها من وراء إجراءاته المتلاحقة.
وقال فراح: "نحن نتعرض منذ عقود لعمليات استهداف ممنهجة، بدءًا من احتلال المدينة واستيلاء المستوطنين على منازلنا بقوة السلاح ثم فرض الضرائب المالية الباهظة على كل شيء قد يمنحنا الحياة، وصولًا إلى اعتقال أبنائنا القاصرين ثم التهديد بسحب الهويات".
وبكلمات واثقة، أضاف فراح لصحيفة "فلسطين": "نحن أصحاب الأرض، هنا ولدنا وهنا سندفن.. والقدس مدينتنا لن نتركها أو نتنازل عنها إلا على جثثنا"، ثم يزيد: "نعيش في واقع صعب للغاية لا يقل عن قسوة حصار غزة في ظل صمت رهيب على المستويين العربي والإسلامي وكذلك الفلسطيني."
وتتعرض عائلة فراح لمضايقات إسرائيلية متصاعدة، إذ عمد الاحتلال على منع إصدار بطاقات هوية لأطفالها الأربعة إلا بعد إجراءات معقدة استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، إلى جانب ذلك تتراكم عليها مستحقات ضرائب متعددة بما يزيد على 300 ألف شيكل.
أما المقدسي مناويل عبد العال (62 عامًا)، فقال إن قرار سحب الهويات يندرج ضمن سياسات التهويد والتهجير التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي بحق السكان الفلسطينيين والعرب منذ احتلاله لكامل القدس والضفة الغربية بنكسة عام 1967.
وأضاف عبد العال لصحيفة "فلسطين": ترسخت سياسات التهويد وتعددت أكثر بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعلان مدينة القدس عاصمة لـ(إسرائيل) يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، فأصبح الاحتلال يسارع الوقت لإصدار قوانين جائرة تسعى لتفريغ المدينة من أهلها".
ويتساءل عبد العال مستنكرًا: "يهددوننا بسحب الهوايات ثم طردنا خلف الجدار ولكن لمن سيمنحونها من بعدنا؟ للمستوطن القادم من آخر أصقاع الأرض؟ نحن أصحاب الأرض وتاريخ آبائنا وأجدادنا ضاربة في أعماق هذه البلاد المقدسة لذا لن نرحل إلا على جثثنا".
وتماشيا مع القانون الدولي، لا يعترف الاتحاد الأوروبي بسيادة دولة الاحتلال على الأراضي التي تحتلها منذ حزيران 1967، بما فيها شرقي القدس، ولا يعتبرها جزءًا من أراضي سلطات الاحتلال، بغض النظر عن وضعها القانوني بموجب القانون الإسرائيلي المحلي.
وكذلك، تعيش المرابطة المقدسية أم إيهاب الجلاد تفاصيل حياة ممزوجة بالمعاناة والتحدي في ذات الوقت، إذ تشعر أن الاحتلال يسعى من وراء منح وزير الداخلية حق سحب الهويات من المقدسيين إلى الانتقام من الأهالي، الذين ما زالوا صامدين في بيوتهم وأحيائهم العتيقة.
وأوضحت أم إيهاب لصحيفة "فلسطين": نتعرض كل يوم لتهديدات وضغوطات من أجل دفعنا لترك بيوتنا التي ولدنا وترعرعنا فيها منذ الصغر حتى اليوم، ومقابل ذلك نتعرض لإغراءات مالية من أجل ذات الهدف".
وبينت أم إيهاب أن أهالي القدس يشعرون بالخذلان تجاه العرب والمسلمين الذين تركوهم دون نصرة أو دعم ولو بأقل القليل، قائلة "يستغل الاحتلال حالة الصمت الغريب لتمرير قراراته الاستيطانية المخالفة لكل قوانين العالم الذي يدعي إيمانه بالحرية وحقوق الإنسان."
وصادق الكنيست الإسرائيلي، الأربعاء الماضي، بالقراءتين الثانية والثالثة على "قانون" يخوّل وزير داخلية الاحتلال من سحب هويات المقدسيين بحجة "خرق الأمانة لدولة إسرائيل".
وجاء القانون من أجل الالتفاف على قرار ما يُسمى "المحكمة العليا الإسرائيلية" التي رفضت مؤخرًا قرارات سابقة لوزير الداخلية بسحب الهويات من المقدسيين، ما دفع الائتلاف الحكومي للتعجيل بتشريع قانون جديد يسمح بما منعته المحكمة العليا.
وتشير معطيات إحصائية إلى أن سلطات الاحتلال سحبت منذ احتلال شرقي القدس، إقامة أكثر من 14 ألف و565 فلسطينيًا، بمزاعم وحجج عديدة.