قائمة الموقع

​التعليم الزراعي في غزة مواءمة تحتاج إلى استمرارية التطوير

2018-03-10T08:40:08+02:00


نجحت مؤسسات التعليم الزراعي في قطاع غزة في المواءمة بين مناهجها التدريسية ومتطلبات سوق العمل، إلى حد المعقول، غير أن ذلك لا يعفيها من المواظبة على تطوير ذاتها، ومواكبة التطورات الحديثة، وتحديد احتياجات سوق العمل من المتخصصات الزراعية كمًا ونوعًا وتحديث المناهج والخطط الدراسية مع مراعاة جانب المرونة في هذه الخطط لتكون مواكبة للمتغيرات لتخريج كوادر مؤهلة قادرة على التعامل مع المتغيرات والمستجدات بإدراك وعقلانية.

وتعتبر كلية الزراعة والبيئة في جامعة الأزهر من الكليات الرائدة في هذا المجال، إضافة إلى الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، فضلًا عن المدرسة الزراعية في بيت حانون، وهي مدرسة ثانوية تُعطي مؤهلا ثانويا زراعيا فقط.

توافق بين النظري والعملي

سناء مقبل خريجة عام 2015 من قسم الإنتاج النباتي في كلية الزراعة بجامعة الأزهر، تقول: "في أثناء دراستي لم تكن المتطلبات الدراسية توفر لنا الخبرة العملية الكافية في مجال عملنا"، مشيرة إلى أنه عقب تخرجها عملت الجامعة على تطوير مناهج الكلية وزيادة الجانب العملي فيها.

وتضيف مقبل في حديثها لـ"فلسطين": "بعد عامين ونصف من التخرج، اليوم أنا أعمل ضمن مشروع زراعي تشرف عليه الكلية ذاتها، (...) نحن طاقم عملي نشرف على مجموعة من الطلبة، ليخوضوا غمار العمل قبل تخرجهم".

وتبين أن هذه المشاريع تسهّل على الطلبة الاحتكاك بالمزارعين وأخذ الخبرة العملية منهم أثناء دراستهم للمساقات النظرية في آن واحد"، "وهو ما يعني أن الجامعة تعمل قدر المستطاع على تطوير آلياتها التعليمية بتقدم الوقت"، كما تقول.

أما رامي أبو نصيرة خريج عام 2014 من قسم الإنتاج الحيواني من الكلية ذاتها، فيشير إلى أن المساقات النظرية آنذاك كانت توفر الخبرة النظرية الكافية والحديثة للطلبة حال خروجهم إلى سوق العمل مع قصور في الخبرة العملية إثر تعرض الكلية للقصف في حرب 2008-2009 وحرب 2014.

ويقول أبو نصيرة في حديثه لـ"فلسطين": "الآن تطورت الكلية تطورًا لافتًا جدًا، فغدت المشاريع العملية للطلبة والتي يشرف عليها خريجون سابقون من الكلية مثلي توافر الخبرة العملية لهم قبل خروجهم لسوق العمل".

ويتابع: "في وقت دراستنا لم نكن نستطيع إيجاد مهندس زراعي يمد لنا يد العون ويعطينا الإرشاد المطلوب لنكون قادرين على المواءمة بين النظري والعملي في الدراسة"، مبينًا أنه الآن يمكن القول إن الطلبة يتخرجون وهم قادرون على تحمل المسؤولية مباشرة في سوق العمل.

بدوره يقول عميد كلية الزراعة والبيئة في جامعة الأزهر د. أحمد أبو شعبان: إن كلية الزراعة تأسست عام 1992 كإحدى أهم الكليات في الجامعة، وتم تطويرها بافتتاح أقسام متعددة تستهدف التطوير في قطاع الزراعة، وفيها ثلاثة تخصصات: تخصص الإنتاج النباتي، وتخصص الإنتاج الحيواني، وتخصص التكنولوجيا وعلوم الاغذية.

ويلفت أبو شعبان في حديثه لـ "فلسطين" إلى أن الكلية تهدف إلى إنتاج المعرفة في القطاع الزراعي وإيجاد حلول للتنمية الزراعية في قطاع غزة، منوهًا إلى أن الكلية عكفت على تطوير دائم للمناهج الدراسية وربطها بسوق العمل والمشكلات التي يواجها المزارع من خلال إمكانات الكلية في البحث العلمي والبرامج الإرشادية.

ويشير إلى أن الكلية تحتوى على مزرعة بمساحة 150 دونما، وفيها وحدات إنتاجية متعددة كمزرعة للأبقار والأغنام والدواجن والأرانب والنحل ووحدات إنتاجية نباتية، لافتًا إلى أن الهدف منها تدريب وإرشاد الطلبة وتوفير معرفة عملية لهم.

ويتابع أبو شعبان: "هذا يعني تكامل دور الكلية من خلال إنتاج المعرفة وربط العلم بالعمل من خلال البرامج الإنتاجية، (...) كل هذا يجعل الخريج قادرًا على المعرفة ولديه ميزة نسبية على المنافسة في سوق العمل ورفع مستوى الإنتاج لدى المزارعين بعد تخرجه"، مؤكدًا أن جل المقررات الدراسية التي يدرسها الطالب يتوافر فيها الجزء العملي.

ويشدد على أن ديدن كلية الزراعة السعي دائمًا لمتابعة الواقع الزراعي في قطاع غزة وواقع المزارع من خلال ما تقدمه الكلية والبرامج الارشادية والمدارس الحقلية التي تربطها مع الكثير من المزارعين والفهم للمشكلات التي يعيشها المزارعين والبحث عن الحلول لهذه البرامج الموجودة.

ويشير أبو شعبان إلى أن المعيقات التي تعترض المسيرة التعليمية للكلية هي ذاتها المعيقات المرتبطة بالواقع في قطاع غزة، مثل ضعف الإمكانيات والوضع الاقتصادي، والطلاب غير القادرين على دفع الرسوم، وضعف البحث العلمي، والحصار وعدم قدرة الكلية على التواصل مع الكليات الزراعية في الخارج..

سدّ الفجوة الغذائية

وفي ذات السياق، يقول رئيس قسم الإنتاج الحيواني والدواجن في كلية الزراعة بجامعة الأزهر د. حاتم الشنطي: "إن القسم يدرس المساقات النظرية والعملية لطلاب كلية الزراعة المتخصصين في الإنتاج الحيواني ويخدم المجتمع بالتواصل مع المزارعين والوزارات والمؤسسات العاملة في هذا القطاع، ويقوم بتعامل المشترك مع جميع العاملين في مجال الإنتاج الحيواني والدواجن في غزة".

ويلفت الشنطي في حديثه لـ "فلسطين" إلى أنه منذ عام 2003 افتتحت برامج الماجستير في الإنتاج الحيواني بالاشتراك مع كلية الزراعة في جامعة القاهرة في مصر، مبينًا أن القسم يقوم بعدة أبحاث تطبيقية مع المزارعين والطلاب، ويتم من خلالها تدريب الطلاب في المجالات العملية الحديثة ويقومون بإجراء بحوث تطبيقية من أجل رفع مستوى الإنتاج الحيواني في غزة

ويوضح أن الكلية لها دور بارز في تدريب المزارعين على استخدام الأعلاف البديلة والمخلفات الزراعية والصناعية في تغذية الحيوان؛ لسد الفجوة الغذائية وفجوة ارتفاع أسعار الأعلاف في قطاع غزة.

ويكمل الشنطي: "مما يساهم ذلك في سد احتياجات قطاع غزة من ندرة الأعلاف وارتفاع أسعارها، من خلال عمل أبحاث تطبيقية في مجال الأعلاف البديلة، وإنتاج أعلاف بديلة عن الأعلاف التقليدية بهدف تقليل الأسعار على المزارع الفلسطيني.

ويشدد على أن كلية الزراعة لها ميزة تتميز بها عن باقي الكليات والخريجين بأن الكلية تقوم بتوفير وظائف للعمل في المشاريع الزراعية في كلية الزراعة، "ونحن متواصلون مع جميع الخريجين من كلية الزراعة بإرشادهم وتنسيبهم للمؤسسات التي تقوم بالعمل الزراعي من أجل إيجاد وظائف عمل لهم"، وفق قوله.

وينوه إلى أنه الآن في كلية الزراعة يوجد أكثر من أربعة عشر مهندسًا زراعيًا تخرجوا من الكلية ويعملون فيها من خلال مشاريع مدعومة من جهات إغاثية.

ويختم الشنطي بالإشارة إلى أن أكثر ما يعيق التعليم في قسم الإنتاج الحيواني هو ما كان القسم يقوم به سابقًا من السفر في زيارات علمية إلى مصر للتدريب على التقنيات الحديثة في تكنولوجيا التلقيح الصناعي وصناعة الأعلاف وتطوير نقل الأجنة، لافتًا إلى أن مثل هذه التكنولوجيا غير متوافرة ويصعب توفيرها في قطاع غزة.

التطوير مطلوب

من جانبه يؤكد مدير عام الإرشاد والتنمية بوزارة الزراعة نزار الوحيدي أن التعليم الزراعي من أهم الروافد التي يمكن أن تزود القطاع الزراعي بخبراء زراعيين وبعمال مدربين يمكن أن يصنفوا كعاملين في القطاع الزراعي.

ويشير الوحيدي في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أنه في غزة يمكن تقسيم التعليم الزراعي إلى فئة المهندسين وفئة مساعد المهندس الزراعي، وكلاهما له أهمية ودور، مشددًا على ضرورة الارتقاء بمستواهم كخريجين لرفد القطاع الزراعي بالتقنيات الحديثة والتطوير الملحوظ لأن الزراعة في المستقبل لن تكون كما هي اليوم، وليست الزراعة بالتدريب فقط، بل تحتاج أيضًا إلى مدربين من أصحاب خبرة ودراية بالتقنيات الحديثة.

ويشير إلى أن كلية الزراعة في جامعة الأزهر تخرّج ثلاثة تخصصات بينما وزارة الزراعة مثلًا تحتاج إلى سبعة تخصصات ما زالت في عداد المفقودين مثل: التربة، الري، التسميد، الاقتصاد الزراعي، التنمية الريفية، وغيرها.

وبحديثه عن التعليم الزراعي في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، يقول الوحيدي: "الكلية لديها تخصص شامل ولكن خريج الكلية الجامعية مؤهل عمليًا أكثر على تنفيذ أعمال على الأرض لخدمة المزارع مباشرة، وبعد حصوله على فترة تدريب بسيطة بعد التخرج، يحصل على جرعة عملية تدريبية كبيرة تؤهله للقيام بالعمل".

ويلفت إلى أن المطلوب من جامعة الأزهر أن تقدم للسوق تخصصات جديدة من المهندسين الزراعيين، ومطلوب من الكلية الجامعية أن تطور نفسها باستمرار لتظل محافظة على نفسها في مجال تنفيذ الأعمال في القطاع الزراعي، مشددًا على أنه لا يمكن مقارنة خريج الجامعة بخريج الكلية فهذا مجال وهذا تخصص آخر ومختلف، لكن كلا المجالين مطلوب المهندس الزراعي ومساعد المهندس الزراعي.

ويتابع الوحيدي: "المطلوب زيادة المختبرات ومراكز البحوث، ومواكبة التطور، وأن يعمل الخريجون على تطوير أنفسهم بشكل دوري"، وتمنى على طلبة الثانوية العامة أن يفكروا جديًا في دراسة التخصص الزراعي لما له من أثر مهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الأغذية، إضافة إلى أن نسبة البطالة من الخريجين في كليات الزراعة أقل بكثير من باقي الكليات والتخصصات الأخرى.

أما المحلل الاقتصادي محسن أبو رمضان يشير إلى أن الاقتصاد الغزي بالدرجة الأولى اقتصاد عائلي صغير، مبينًا أن العائلات تعتمد في معظم مشاريعها الصغيرة على مشاريع تتعلق بالثروة الحيوانية كالأرانب والماعز وغيرها.

ويقول أبو رمضان في حديثه لصحيفة "فلسطين": "بالتالي تحتاج هذه العائلات التثقيف والتعليم في مجال تربية الحيوان والاعتناء به وكيفية التعامل معه"، منوهًا إلى أنه أيضًا العاملون في المجال الزراعي يحتاجون إلى البقاء على قيد الاطلاع بالتقنيات الحديثة في مجال الزراعة النباتية والثروة الحيوانية لمعرفة كيفية تكاثرها واستمراريتها ومعرفة الأمراض التي تكون عرضة لها لمحاربتها.

ويشدد على أهمية ربط التعليم بمجالات تدريبية عملية على أرض الواقع ليستفيد الطالب المتعلم ويستفيد المزارع بما يعود بالنفع على القطاع الزراعي لحماية ثرواته، موضحًا أن مثل هذه القطاعات تتحدى الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة من خلال إيجاد البدائل عن أي شيء يتم فقده من خلال ما هو موجود في البيئة الغزية.

ويلفت أبو رمضان إلى أن مسؤولية ومتابعة هذا المجال وتطويره لا تقتصر فقط على المؤسسات التعليمية ووزارة الزراعة وإنما تمتد إلى جميع الشركات والمؤسسات والمنظمات غير الأهلية، من خلال وضع خطط وبرامج لتطويره وتجويده بما يحقق المصلحة للقطاع الزراعي في غزة.

اخبار ذات صلة