تكررت اللقاءات بين المسئولين في السلطة الفلسطينية وقادة الاحتلال الإسرائيلي، لتضع علامات استفهام حول الأهداف الحقيقية وراء هذه اللقاءات، وإن كانت تؤسس للعودة إلى طاولة المفاوضات، وتشرع التطبيع العربي - الإسرائيلي، خاصة وأنه يخالف قرارات المجلس المركزي التابع لمنظمة التحرير بقطع العلاقات مع الاحتلال.
وفي التاسع عشر من شباط/ فبراير الماضي، التقى الحمد الله، مع وزير المالية في حكومة الاحتلال "موشيه كحلون"، ومنسق أعمال حكومة الاحتلال "يواف موردخاي" بحضور وزير المالية والتخطيط شكري بشارة، ورئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية حسين الشيخ.
وفي آخر اللقاءات، اجتمع حديثًا، وزير الاتصالات الفلسطيني علام موسى بوزير الاتصالات في حكومة الاحتلال أيوب قرا على هامش المؤتمر الدولي للاتصالات في برشلونة، فيما التقت وزيرة الاقتصاد الفلسطيني عبير عودة، مع وزير الاقتصاد في حكومة الاحتلال إيلي كوهين، في 16 شباط/ فبراير الماضي.
غير جادة
الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، رأى أن هذه اللقاءات بين رئيس الحمد الله ووزراء حكومته مع المسؤولين الإسرائيليين، تؤكد أن ما تعلنه السلطة لا يتفق مع ما يجري في السر.
وقال عبيدات لصحيفة "فلسطين"، إننا نرى السلطة تنفذ عكس القرارات التي اتخذها المجلس المركزي لمنظمة التحرير بـ"تعليق الاعتراف بالاحتلال، ووقف التنسيق الأمني، وفك الارتباط مع الاحتلال".
وأضاف: "واضح أن هناك لقاءات تجري بشكل مكثف وواضح سواء بين رئيس الحكومة رامي الحمد الله، ووزراء الحكومة مع قادة ووزراء حكومة الاحتلال، وكلها تؤشر إلى أن السلطة غير جادة في المواقف التي جرى الاعلان عنها، وأن هذه اللقاءات تهدف لإعادة المفاوضات بين الاحتلال والسلطة.
ويعتقد المحلل السياسي، أن السعودية تعمل على إعادة المفاوضات بين السلطة والاحتلال، والتمهيد لعقد لقاءات فلسطينية إسرائيلية برعاية سعودية وأمريكية، تمهيدا لعقد مؤتمر دولي شكلي بمشاركة "المحور السني العربي" (مصر والسعودية والامارات) والاتحاد الأوروبي ودول أوروبا الغربية، يهدف لتصفية القضية الفلسطينية.
وذكر عبيدات أن هذه اللقاءات ستعمل على تشريع العلاقات التطبيعية بين الدول العربية والاحتلال، والانتقال من السرية للعلنية، بمعنى أن هذا التطبيع العربي جرى الموافقة عليه من السلطة، وهو ما يشكل مخاطر كبيرة على السلطة ذاتها للقبول بـ"صفقة القرن" المرفوضة فلسطينيًا.
وقرر المجلس المركزي في ختام اجتماعاته بـ15 كانون الثاني/ يناير الماضي، تكليف "اللجنة التنفيذية" لمنظمة التحرير، بـ"تعليق الاعتراف بـ(إسرائيل)، ووقف التنسيق الأمني مع (إسرائيل)، ووقف العلاقات الاقتصادية معها، بما في ذلك اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة عام 1994"، ردا على قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل).
صورة مغايرة
ويتفق الباحث عيسى عمرو، مع عبيدات، بكون هذه اللقاءات تدلل على عدم جدية قرارات المجلس المركزي بمقاطعة الاحتلال، مشيرًا إلى أن هذه اللقاءات تعطي صورة مغايرة عن الواقع الفلسطيني الذي يقول: "إن الاحتلال يقتل ويعرقل حركة الفلسطينيين".
ويقول عمرو لصحيفة "فلسطين"، إن هذه اللقاءات تشجع الاحتلال على الاستمرار في الاستيطان، لافتًا إلى ضرورة وضع خطة وطنية شاملة حتى يكون المواطن والمسؤول الفلسطيني معزولا بشكل كامل عن الاحتلال.
وبين أن هذه اللقاءات تضعف الرواية التي يحاول فيها الناشطون الفلسطينيون اظهارها في المحافل الدولية، والتي تحاول اظهار الاضطهاد اليومي الذي يمارسه الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وتعزيز حملات مقاطعة الاحتلال.
مخيبة للآمال
من جانبه، رأى المتحدث باسم المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، زياد العالول، أن هذه اللقاءات مخيبة للآمال ولا تعبر عن نبض الشارع الفلسطيني، ولا عن تمثيله، وإرادته.
وقال العالول لصحيفة "فلسطين": "إن لهذه اللقاءات مع وزراء حكومة الاحتلال انعكاسات سلبية على دور الجاليات الفلسطينية، ومناصري القضية في الغرب، لأن هناك جهودا كبيرة تبذل وتعمل على مناهضة الاحتلال ومقاطعته، يدرك الاحتلال مدى خطورة تصاعدها".
وأضاف: "إن هذه اللقاءات تصيبنا بالإحباط، وعدم فهم ما يجري، لكن هناك شريحة كبيرة من المثقفين يعرفون أن هذا الحراك لا يمثل الشعب الفلسطيني"، لافتًا إلى أن الجاليات الفلسطينية تتحرك بمعزل عن النظام الرسمي الفلسطيني، وهي تدرك أنه لا يوجد تمثيل حقيقي للسلطة ومنظمة التحرير.
وأشار العالول إلى أن استمرار لقاءات قادة السلطة في رام الله مع قادة الاحتلال الإسرائيلي، تظهر للعالم أن هناك طاولة حوار واختلاف بين طرفين يتفاوضان وليس مشهدا احتلاليا.
وتمهد هذه اللقاءات، تبعا لكلام العالول، لمرحلة جديدة تحت ما يسمى "صفقة القرن"، بحيث لا يكون هناك لا سلطة ولا دولة فلسطينية مستقلة، بل حكم ذاتي تشرف عليه أجهزة أمن السلطة، لافتًا إلى أن هذه الطروحات تتساوق مع أطروحات ضم الضفة الغربية، وانتهاء دور رئيس السلطة.