تمتلك الكنائس المسيحية، نحو 28 في المائة، من مساحة البلدة القديمة في مدينة القدس؛ لكنها مُهددة بالمصادرة، من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، تحت ستار فرض الضرائب عليها، بحسب باحث وناشط مسيحي.
ويرى الدكتور حنا عيسى، رئيس "الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات" (غير حكومية)، أن دولة الاحتلال، تسعى للسيطرة على تلك الممتلكات، عبر فرض ضرائب باهظة على ممتلكات الكنائس، بأثر رجعي، كونها تعلم أنها لن تستطيع دفعها.
ويقول عيسى :"( إسرائيل) تطالب الكنائس بدفع ١٩١ مليون دولار، وهي تعلم أنها لا تستطيع أن تدفع ذلك...إنها تسعى إلى السيطرة على أملاكها".
ويعمل عيسى، أستاذاً للقانون الدولي في جامعة بيرزيت، وسط الضفة الغربية، وهو باحث وناشط مسيحي بارز.
ويؤكد عيسى أن الأوقاف المسيحية في البلدة القديمة بالقدس، تبلغ نحو 28 في المائة من مساحتها، فيما تبلغ نسبة الأوقاف الإسلامية 29 في المائة، مؤكداً أنه توصل لهاتيْن النسبتيْن من خلال دراسة علمية أعدها.
ويشير الباحث، إلى أن هذه الممتلكات تتنوع ما بين "أراضي، ومحال تجارية ومدارس ومستشفيات وفنادق".
وتتواجد في القدس العديد من الكنائس وأهمها الكاثوليكية (الرهبان الفرنسيسكان) والروم الأرثوذكس، والأرمن الأرثوذكس.
كما تتواجد كنائس أخرى، لطوائف مثل السريانية الأرثوذكسية، والقبطيّة الأرثوذكسية، والإثيوبية التوحيدية الأرثوذكسية، والمارونية، وغيرها.
ويقول "عيسى" إن الكنائس ترفض دفع أي مبالغ مالية لبلدية الاحتلال في القدس، أو أي جهة إسرائيلية كانت، كونه يشكل مخالفة لما يعرف بـ"الوضع القائم" (الاستاتيكو)، في مدينة القدس.
وكانت الدولة العثمانية قد أصدرت في عام 1852م ما يسمى بـ"الوضع الراهن للأماكن المقدسة" وبه جددت ما كانت أعلنته سنة 1118ه/1707م، بشأن ما لبعض الطوائف المسيحية من الحقوق في الأماكن المقدسة، وأداء العبادة فيها، والذي ينص كذلك على إعفاء الكنائس وممتلكاتها من الضرائب.
واستمر هذا الأمر، خلال فترة الانتداب البريطاني لفلسطين(1917-1948)، والحكم الأردني (1948-1967).
ويتهم الفلسطينيون دولة الاحتلال ، التي احتلت القدس عام 1967، بالسعي لتغيير هذا الوضع، عبر السيطرة على أراضي الأوقاف الإسلامية والمسيحية، والتدخل في شؤون المسجد الأقصى.
وقررت بلدية الاحتلال في القدس، مؤخراً، فرض ضرائب على ممتلكات الكنائس المخصصة لغير العبادة في البلدة القديمة بالقدس.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن البلدية طالبت الكنائس بتسديد ضرائب تقدر بـ 700 مليون شيقل (نحو 190 مليون دولار)، مترتبة على 882 عقاراً تمتلكها هذه الكنائس، بأثر رجعي.
ونقلت عن رئيس البلدية نير بركات، قوله:" من غير المنطقي استمرار الإعفاء الضريبي عن ممتلكات تجارية للكنائس تضم فنادق وشركات تجزئة، مع التأكيد على أن أماكن العبادة ستظل معفاة من الضرائب".
ورداً على ذلك القرار، أغلقت كنائس الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك والأرمن في 25 فبراير/شباط كنيسة القيامة، التي تعد أكثر الأماكن قداسة لدى المسيحيين، وأعادت فتحها بعد يومين، إثر قرار للاحتلال بتعليق الإجراءات التي تعترض عليها.
وأعلنت خارجية الاحتلال ، أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ورئيس بلدية الاحتلال في القدس نير بركات، اتفقا على تشكيل فريق، لصياغة حل لمسألة الضرائب البلدية على الممتلكات المملوكة للكنائس، التي ليست دورًا للعبادة (التجارية).
وقامت بلدية الاحتلال في القدس، منتصف الشهر الماضي، بالحجز على أملاك وحسابات لبطريركية القدس الأرثوذكسية بقيمة 30 مليون شيقل (حوالي 8 ملايين دولار) بحجة عدم دفعها لهذه الضرائب.
ووصف "عيسى" إغلاق كنيسة القيامة، بـ"الكارثة"، بالنسبة للمسيحيين، كونها "مست وجدان مسيحيي العالم".
ويعتقد المسيحيون أن الكنيسة مقامة على المكان الذي دُفن فيه النبي عيسى بن مريم، عليه السلام، قبل "قيامته".
وأشار عيسى إلى أن تعليق دولة الاحتلال لقرارها، يعد "انتصاراً للمقدسيين، مسيحيين ومسلمين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف:" العام الماضي، انتصر المسيحي والمسلم في الدفاع عن المسجد الأقصى بإلغاء قرار حكومة الاحتلال نصب بوابات الكترونية على مداخل المسجد، والآن انتصرنا في كنيسة القيامة".
وكانت سلطات الاحتلال قد تراجعت في تموز/ يوليو ٢٠١٧، عن قرار بنصب بوابات الكترونية على أبواب المسجد الأقصى بعد سلسلة احتجاجات واسعة شهدتها المدينة.
وأشار عيسى، إلى أن قرار فرض الضرائب جاء بهدف "فرض سيطرة الاحتلال على كل ما هو في مدينة القدس، باعتبارها مدينة يهودية مستنداً إلى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارة بلاده إليها".
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد قرر في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، باعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال ، ونقل سفارة بلاده إليها.
وتسعى دولة الاحتلال بحسب "عيسى" إلى "إشعال حرب دينية بين المسلمين واليهود".
ودعا إلى "تبني استراتيجية واحدة، ومرجعية وخطة للمحافظة على الوجود المقدسي، والأماكن المقدسة من قبل الدول العربية والإسلامية".
ويشير عيسى إلى أن دولة الاحتلال ، تمارس التضييق على المسيحيين بالقدس، بغرض دفعهم للهجرة.
وقال إنها استولت على ٨٠٪ من أملاك المسيحيين (الخاصة) في مدينة القدس منذ احتلالها، مضيفاً:" الوجود المسيحي في مدينة القدس مهدد بفعل الاحتلال".