عندما صادق المجلس التشريعي على اللجنة الإدارية الحكومية في قطاع غزة، في مارس/ آذار 2017، "لسد الفراغ" الناجم عن عدم قيام حكومة رامي الحمد الله بمهامها تجاه القطاع، اتخذ رئيس السلطة محمود عباس من اللجنة ذريعة لفرض سلسلة من الإجراءات التي طالت مناحي الحياة الأساسية للغزيين المحاصَرين منذ 11 سنة.
السلطة تذرّعت مرارا بـ"إنهاء الانقسام" بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لفرض إجراءاتها "غير المسبوقة" –وفق وصف عباس-بحق الغزيين، لكنها لم تتخذ أي إجراءات ضد الاستيطان وقوات الاحتلال التي تنتشر كسرطان في الضفة دون رقيب ولا رادع. ولم تتقدم السلطة حتى بطلب إحالة ملف الاستيطان للمحكمة الجنائية الدولية.
وبموجب هذه الإجراءات، تخصم السلطة ما يتراوح بين 30% و40% من رواتب موظفيها في القطاع دون الضفة الغربية، في ظل تفاقم أزمة الكهرباء، ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية، والوقود، وشبح الإضرابات المتكررة لشركات النظافة في المستشفيات.
وفي 17 سبتمبر/أيلول 2017 أعلنت حركة حماس، حل اللجنة الإدارية "استجابة للجهود المصرية"، الرامية لتحقيق المصالحة الفلسطينية. ودعت حماس في بيان لها, آنذاك، الحكومة للقدوم إلى قطاع غزة؛ لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فورا.
لكن عباس والحكومة لا يزالان في دائرة اتهام الفصائل، إذ لم يلغيا "الإجراءات العقابية" رغم سحب حماس لذريعة اللجنة الإدارية، وهو ما يطرح تساؤلات عن الأهداف الحقيقية لهذه الإجراءات.
ويسود اعتقاد على نطاق واسع، بأن السلطة تسعى إلى فرض سياسة التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال في قطاع غزة على غرار الضفة الغربية، وهو أمر مرفوض وطنيا، وفي المقابل وصفه عباس يوما بأنه "مقدس"، كما سبق للرجل أن قال "أنا ضد المقاومة.. أنا علنا بحكي، أنا ضد المقاومة علنا".
كما ثمة تعهدات قطعها الرجل الثمانيني على نفسه، طيلة السنوات الماضية، لمنع العمل العسكري، والانتفاضة المسلحة، مؤكدا التزامه بعملية التسوية التي أقر بنفسه مرات عديدة، بأنه لم يحصل تقدم فيها منذ 1993، عندما تم توقيع اتفاق "أوسلو".
ولعل التقدم الوحيد الذي حققته التسوية هو لصالح (إسرائيل)، التي استغلت عامل الزمن، والمفاوضات التي توصف وطنيا بأنها "عبثية ووهمية"، على مدار أكثر من عقدين، لتثبيت استيطانها وتوسيع احتلالها.
ففي كلمته بالجلسة الافتتاحية للدورة الـ28 للمجلس المركزيفي رام الله في يناير/كانون الثاني الماضي، قال عباس إن (إسرائيل) "أنهت" اتفاق أوسلو، مضيفا: "أننا سلطة من دون سلطة وتحت احتلال من دون كلفة"، وفي كلمة له أمام مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، قال عباس: "نحن نشتغل عند الاحتلال".
لكن عباس –الذي عقد المجلس المركزي دون توافق وطني في يناير الماضي بعد أكثر من شهر على قرار واشنطن الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل)- لا يزال يتمسك بالتسوية الفاشلة، ويبحث عن رعاية دولية لها.
السلاح
وخلال لقاء تلفزيوني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال عباس: "هناك دولة واحدة بقانون واحد بسلاح واحد"، مضيفا: "كل شيء يجب أن يكون بيد السلطة الفلسطينية، وأكون واضحا أكثر لن أقبل أو أستنسخ تجربة حزب الله في لبنان"؛ على حد تعبيره.
بينما قال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في لقاء متلفز، في الشهر نفسه: "سلاح الحكومة والشرطة وأجهزة الأمن الحكومية هذا بالتأكيد سلاح واحد، وهناك سلاح المقاومة طالما أن هناك احتلالا صهيونيا على الأرض الفلسطينية فمن حق شعبنا أن يمتلك سلاحه وأن يقاوم هذا الاحتلال بكل أشكال المقاومة."
ويشار إلى أن اتفاق "أوسلو 2" في 1995، نص على أن جهاز الشرطة التابع للسلطة هو الجهاز الأمني الوحيد المصرح به في الأراضي المحتلة منذ 1967، وأن التنسيق الأمني يجري عبر لجنة مشتركة من السلطة و(إسرائيل)، وقد أصبح جليا للمراقبين، فيما بعد أن هذا التنسيق باتجاه واحد فقط، هو حفظ أمن الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2017، وصل الحمد الله وحكومته قطاع غزة للمرة الثالثة بحضور وفد أمني مصري، لكن الحكومة أنهت أول اجتماع لها في اليوم التالي دون التوصل لنتائج ملموسة، برفع العقوبات عن القطاع.
وكان الحمد الله وصل القطاع كرئيس للحكومة لأول مرة في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2014، بينما الزيارة الثانية في 25 مارس/آذار 2015.
وتسلّمت هيئة المعابر والحدود في السلطة رسميا مسؤولية معابر القطاع، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 حسب الجدول الزمني الذي حدده اتفاق القاهرة الأخير الموقع بين حركتي حماس وفتح، بيد أن الحمد الله ربط عمل هذه المعابر بالملف الأمني، في خطوة أثارت جدلا حول نوايا السلطة واعتبرها البعض توجها نحو "الإحلال والوصاية" بدلا من الشراكة.
وترفض حكومة الحمد الله منذ تشكيلها في 2014، صرف رواتب الموظفين الذين عينتهم الحكومة الفلسطينية السابقة برئاسة إسماعيل هنية في القطاع.
كما لم أن هذه الحكومة ببند نص عليه الاتفاق الأخير، وهو استمرار استلام الموظفين رواتبهم التي كانت تُدفع لهم، اعتبارا من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إضافة إلى سرعة إنجاز اللجنة القانونية الإدارية المشكلة من الحكومة لإيجاد حل لموضوعهم قبل الأول من فبراير/شباط الماضي.
وأخيرا، أقرت الحكومة في اجتماع مشترك بين الضفة وغزة عبر تقنية "فيديو كونفرنس"، ما وصفها مراقبون بأنها "ميزانية انفصال"، إذ تحدثت عن أنه "تم إعداد موازنة الأساس مع الأخذ بعين الاعتبار بقاء الوضع الحالي القائم في قطاع غزة"، وأنه "تم إعداد موازنة موحدة في حال تحقيق المصالحة."