مضطرًا وكاتمًا قهره، وقّع المعلم محمد الدرباشي (53 عامًا) أخيرًا على ورقة تعهد تضمن عدم تسريحه من العمل في مدارس كالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بشرط حصوله على الشهادة الجامعية "بكالوريوس" خلال ثلاث سنوات فقط، وإلا سيفصل دون الحصول على أي من المستحقات الوظيفية.
وبعد قرابة ثلاثة أشهر من اندلاع أزمة فصل 158 معلمًا ومعلمة من حملة درجة الدبلوم في مدارس أونروا بمختلف محافظات الضفة الغربية المحتلة بذريعة عدم حصولهم على الشهادة الجامعية الأولى، توصل الاتحاد العام للعاملين بالأونروا لاتفاق مع إدارة الوكالة الأممية ينهي الأزمة.
وجرى تسوية الأزمة بفتح باب التقاعد الاختياري أمام المعلمين الراغبين بذلك مع ضمان كامل حقوقهم ومستحقاتهم المالية والوظيفية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ توقيع ورقة التقاعد وذلك كخيار أول، أما الخيار الثاني فأتاح لغير الراغبين بالتقاعد إكمال دراستهم ولكن بشرط الحصول على "البكالوريوس" خلال ثلاث سنوات.
ويعد الدرباشي، الذي قضى قرابة ثلاثة عقود معلما في مدارس الأونروا للمرحلة الابتدائية، واحدا من الذين وافقوا على التسجيل بالجامعة وإكمال دراستهم، رغم ما يترتب على ذلك من أعباء حياتية وصحية مضاعفة وكذلك تكاليف مالية إزاء تسجيله بالجامعة.
ويقول الدرباشي لصحيفة "فلسطين": "لم يكن أمامي أي خيار إلا التسجيل بالجامعة، والعمل قدر المستطاع على إعطاء حق الطلبة في التعليم بمدرسة مخيم الفوار والالتزام بالجامعة مع تلبية شؤون عائلتي المؤلفة من عشرة أفراد وتوفير احتياجاتهم المعتادة".
ولم يعبر الدرباشي عن رضاه الكامل اتجاه طريقة تسوية الأزمة، مضيفًا: "كنت أتمنى كبقية زملائي أن المشكلة تنتهي بشكل يقدر سنوات الخبرة التي قضيناها بين الفصول نعلم الأجيال، بدل أن يصل لنا قرار فصل ونضطر عقب ذلك للموافقة على حلول تزيد من أعباء الحياة علينا بعد هذا العمر".
خيارات محدودة
وحول تفاصيل إنهاء الأزمة، قال رئيس قطاع التعليم باتحاد الموظفين في الضفة الغربية أحمد سويلم، إن "خيارات الحل التي كانت متوافرة على طاولة المباحثات مع الأونروا محدودة في ظل الأزمة المالية التي تعاني منها الوكالة، لذلك حاولنا الوصول إلى أكثر الحلول منطقية مع ضمان كامل الحقوق".
وأضاف سويلم في حديثه لصحيفة "فلسطين": "قسم المعلمون وفق أجندة حل الأزمة إلى قسمين، الأول ما دون الـ50 عاما وأمامهم خياران إما التقاعد المبكر مع تعهد الأونروا بإعطائهم أتعابهم خلال ثلاثة أشهر، أما الخيار الثاني فهو إكمال الدراسة ولكن بشروط جزائية حال عدم إكمال الدارسة خلال السنوات الثلاث القادمة، تصل للفصل دون أي مستحقات وأتعاب".
وأضاف: "القسم الثاني من الحل خصص لمن أعمارهم تفوق الـ51 عاما، وهؤلاء أمامهم خياران كذلك إما التقاعد المبكر وفق الآليات السابقة وإما إحضار ورقة ثبت أنهم كانوا مسجلين في الجامعة قبل صدور قرار الفصل "21 نوفمبر 2017" بما يتيح لهم إكمال عملهم والدراسة في ذات الوقت".
وأشار سويلم إلى أن عدد المعلمين الذين اختاروا التقاعد المبكر يقدر عددهم 58 معلمًا ومعلمة، في حين تجاوز عدد المعلمين الراغبين بإكمال الدراسة 100 معلمًا، مبينًا أن "الاتفاق كان مقبولًا لدى الغالبية الساحقة في ظل اعتراض البعض عليه".
حل غير منصف
وعقب اندلاع الأزمة بين الطرفين، توجه اتحاد واللجان الشعبية في مخيمات اللجوء إلى تنظيم سلسلة من الخطوات الاحتجاجية ضد القرار الذي وصف حينها بـ"التعسفي"، فنصبت خيمات اعتصام أمام مقرات الأونروا في شمال الضفة وجنوبها، واعتصم 56 معلمًا داخل المركز الرئيسي للأونروا في حي الشيخ جراح في مدينة القدس مطالبين بإسقاط قرار الفصل.
بدوره، أكد منسق فعاليات معلمي الوكالة المفصلين في الضفة الغربية عبد الفتاح النجار أن "الاتفاق النهائي لم يكن منصفًا والتعهدات التي وقع عليها المعلمون لم تضمن حقوقهم بقدر ما كانت قهرية".
وقال النجار لصحيفة "فلسطين": "من أين ستأتي الوكالة بموظفين بدل المعلمين الكبار التي وافقوا على التقاعد المبكر، في ظل حديث الأونروا عن أزماتها المالية وإغلاق باب التوظيف؟ ولماذا لم تستمر الفعاليات الاحتجاجية القانونية والسلمية حتى تتراجع الوكالة عن قرار الفصل؟".
ووفقا لمصادر خاصة لصحيفة "فلسطين" فإن عددًا من المعلمين وتحديدا في مدينة نابلس، شمال الضفة، يعتزمون خلال الفترة المقبلة التوجه نحو المحاكم والقضاء على أمل إسقاط قرار الفصل، في ظل رفضهم الانخراط بالاتفاق التي أبرم أخيرا بين اتحاد الموظفين والوكالة الأممية وتمسكهم بكامل حقوقهم دون تعهدات سابقة.