أحياء كانوا أم أمواتًا.. لا يسلم المقدسيون من اعتداءات سلطات الاحتلال المتواصلة، فمصادرة المقابر وتحطيم القبور ومنع الدفن وزراعة قبور وهمية، كل ذلك وأكثر يندرج ضمن فصل جديد من الانتهاكات المتواصلة في المدينة المقدسة.
تضم مدينة القدس 4 مقابر إسلامية أساسية إضافة إلى عدد من التُرب والمدافن المنتشرة في بعض الأحياء والقرى المقدسية، فالمقابر الأساسية أصبحت واقعيًا 3 فقط، بفعل إجراءات الاحتلال بعد مصادرة مقبرة "مأمن الله" التاريخية.
ويعدد رئيس لجنة المحافظة على المقابر الإسلامية في القدس مصطفى أبو زهرة، تلك المقابر وهي: مقبرة باب الرحمة وهي حاضنة للمسجد الأقصى المبارك من الجهة الشرقية، والمقبرة اليوسفية على شرق السور القديم من مدينة القدس، ومقبرة المجاهدين في الجهة الشمالية من الأسوار في باب الساهرة، والمقبرة الأوسع والأكبر وهي مقبرة مأمن الله.
ويقول أبو زهرة لـ"فلسطين": "تحتضن جميع هذه المقابر جثامين عدد الصحابة والتابعين والعلماء والشهداء على مدى 1400 عام"، لافتا إلى وجود مقبرة الشهداء التي استحدثت شمال مقبرة اليوسفية والتي دفن فيها شهداء عام 1967، وغيرها من التُرب والمدافن.
وعن واقع المقابر بيّن زهرة أن مقبرة مأمن الله الواقعة غرب القدس تعرضت إلى نبش وهدم مجموعات كبيرة من قبورها، وقامت (إسرائيل) عند احتلالها غرب المدينة عام 1948، بطمس معالم التراث العربي الاسلامي من هذه المقبرة، وأزالت أكثر من 90 بالمئة من شواهد قبورها، ومنعت دفن المسلمين فيها.
كما أقامت على المقبرة مباني لمؤسسات يهودية ضمن مخطط لطمس معالم المكان ومحو الذاكرة التاريخية منه، ومدت خطوطا للصرف الصحي عبر المقبرة وبعثرت رفات الموتى فيها، إضافة إلى اقتطاع 12 دونما لبناء "متحف التسامح والكرامة" عليها.
والأكثر استفزازًا، بحسب أبو زهرة، هو المهرجان السنوي للخمور والذي تقيمه بلدية الاحتلال على أرض المقبرة.
أما في مقبرة اليوسفية فقد تم هدم وتدمير أكثر من 30 قبرا وطمسها بكميات كبيرة من الباطون لكي لا يتم ترميم تلك القبور، فيما قام مستوطنون بمنطقة وادي قدرون ببناء ما يقارب 3000 قبر وهمي وضع على بعضها نجمة داود واحجار كتب عليها قبور يهودية، وبناء مظلات تطل على كل منطقة جبل الزيتون.
ولفت أبو زهرة النظر إلى قرار الاحتلال الصادر في عام 2004 والذي يمنع ترميم القبور في المقبرة اليوسفية ويقضي بهدم أجزاء منها، مشيرًا إلى نية الاحتلال تحويل مقبرة الشهداء الملاصقة لليوسفية لمتنزه وحديقة تلمودية.
أما مقبرة الرحمة الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك والتي تحتضن الصحابيّيْن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت، فيطمح الاحتلال إلى بناء قواعد القطار الهوائي التهويدي وإنشاء مطلات تلمودية على أراضي المقبرة ضمن جملة من الاعتداءات المتكررة على أراضي المقبرة.
وذكر أبو زهرة أن الاحتلال صادر ما يقارب 40% من مساحة المقبرة ومنع الدفن في هذه المساحة إضافة إلى تقطيع ما يقارب 50 شجرة معمرة وهدم 130 قبرًا.
وبيّن أبو زهرة أن لجنة رعاية المقابر حصلت نهاية العام المنصرم على قرار احترازي، صادر من محكمة الصلح الإسرائيلية، يمنع ما تسمى "سلطة الطبيعة" الإسرائيلية وكل من يعمل باسمها أو من قبلها بالقيام بأي أعمال في داخل أراضي المقبرة.
أما مقبرة المجاهدين الواقعة في شارع صلاح الدين وسط القدس فلم تسلم أيضًا من نبش قبورها واقتحامات الاحتلال المتكررة بذرع وحجج مختلفة؛ ولعل أبرز مشاكل المقبرة وفقاً لأبو زهرة هي مساحتها التي بدأت تضيق.
من جهته اعتبر الصحفي المختص في شؤون القدس محمود أبو عطا أن الاحتلال يحاول شرعنة خطواته في مقابر القدس حيث يقوم بتوزيع الأدوار على أذرع دولته، فتقوم حكومته بمصادرة الأرض الوقفية ثم تأتي بلديته في القدس لتفعل بالأرض ما تريد.
وبين أبو عطا في حديثه لـ "فلسطين" أن هناك ما يقارب الـ80 قرارًا صدرت عن عدد من المؤسسات الدولية للتأكيد أن كل ما تقوم به سلطات الاحتلال من انتهاكات هو باطل، لكن الاحتلال لا يقيم وزنا لأي قرار.
وأكد أبو عطا أن الاحتلال يهدف من اعتداءاته على مقابر القدس إلى ضرب الذاكرة التاريخية بالتشويه والتزوير، محاولا تثبيت روايات تلمودية وتهويدية.
وثَمّن أبو عطا القرار الذي انتزعته لجنة رعاية المقابر من أجل وقف الانتهاكات في مقبرة الرحمة مطالباً دائرة الأوقاف الإسلامية وجميع المؤسسات ذات السلطة، باستصدار قرارات جديدة لوقف الانتهاكات في كافة المقابر.
واستهجن في الوقت نفسه الصمت المحلي والعربي والإسلامي على هذه الحرب التي يشنها الاحتلال على الأموات في القدس.