قائمة الموقع

​"أنا وأخي".. رحلة حب وألم لروح حيّة وجسد ميت

2018-03-03T07:17:38+02:00

"لست أدري كيف حصل ما حصل؟ وكيف أصبح محمد جثة هامدة بهذا الشكل!! كل ما أعرفه أن أحد إخوتي بل أقربهم إلي.. رفيق دربي ومدرستي وأصدقائي الذي كان يضج بالحياة هو الآن يرقد على هذا السرير بلا حراك".. يقول أحمد بريكة عن شقيقه محمد البالغ 25 عاما وهو طريح الفراش في غيبوبة متواصلة منذ عامين.

ويضيف: "هو أسير هذا السرير منذ يونيو 2016، تعرض لحادث سقوط عن سطح المنزل، فأُصيب دماغه إصابة شديدة، هو بسببها يعيش في غيبوبة كاملة حتى اليوم"، مبينا أن الأسرة تسعى باستمرار للحصول على تحويلة لعلاجه في مستشفيات الداخل المحتل، لكن الاحتلال الإسرائيلي رفض تحويلته للمرة الخامسة.

محمد، كان يعمل في أحد متاجر بيع الأدوات المنزلية في محافظة رفح، كخطوة أولى على طريق زواجه وبناء أسرته.

بعد عناء

وبعد تعذر علاجه في الداخل المحتل، جاهدت أسرته للحصول على تحويلة لعلاجه في مصر، وبالفعل كان لها ما أرادت، فبعد عناء تمكنت من دسّ محمد في سيارة إسعاف ونقله إلى معهد ناصر الطبي في القاهرة، علّه يعود من رحلته مفتوح العينين على الأقل، لكن ما حصل خالف كل الظنون فالمشفى رفض استقباله.

وعن ذلك اليوم يخبرنا شقيقه أحمد: "رفضت المستشفى المصرية أن تستقبله، جاء موظفون وألقوا نظرة على حاله وهو في سيارة الاسعاف، وأخبرونا أنه يحتاج لعلاج طبيعي فقط ولا حاجة لإدخاله المستشفى رغم أنه قيد الغيبوبة منذ فترة طويلة".

ويوضح: "وفي نفس اليوم، أجبرونا على إعادته إلى معبر رفح ومنه إلى المنزل حيث يرقد هناك قيد المتابعة المنزلية

ويقول عن وضعه الحالي: "هو شاب في مقتبل العمر يرقد في سريره منذ عامين دون أي حركة، ويحتاج إلى تقليب جسده مرة كل ساعتين، حتى لا يُصاب بتقرحات، أما غذاؤه فيكون مطحونًا بواسطة الخلاط الكهربائي، نضع الخليط في إبرة ومن ثم نفرغه في أنبوب متصل بالمعدة حتى تبقى معدته تعمل".

ويضيف: "كما يحتاج إلى تغيير القسطرة مرة واحدة كل أسبوع، وعلى هذه الحالة مستمرون معه".

ويلفت إلى أن عائلته أطلقت عدة مناشدات عبر وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لمساعدة العائلة في علاج محمد ولكنها دون جدوى حتى تاريخه.

لعله أصبح أباً

سألت أحمد عن نفسه ومن يهتم بأخيه؟ فكان جوابه: "أنا متزوج ولدى أسرة وأطفال، ولكنني أقضي معظم وقتي هنا لرعاية محمد، فهو يحتاج لشخص يبقى إلى جواره، يريح جسده بتحريكه على جانبيه، كما يحتاج لشخصٍ ينتبه لطعامه وتغذيته جيدا وأنا أقوم بذلك وأحياناً أبي أو أخي الأصغر".

محمد وأحمد شقيقين ترعرعا معاً، وخاضا العديد من التجارب، بعضها ترك في نفسيهما ذكرى طيبة والبعض الآخر ترك في نفسيهما الأسى، وفي كلا الحالتين فإن أجمل شعور في هذه الدنيا أن يكون شقيقك الذي قاسمك فراشك وطعامك ووالديك وأصدقاءك هو أيضاً أحد أصدقاءك المقربين.

التقارب العمري بينهما، ومشاركة بعضها في السراء والضراء، خلق هالة من العلاقة بينهما أعطتها نوعًا من الخصوصية، يحاول أحمد أن يحافظ عليها وأن يكون وفياً لما بقي من روح وجسد أخيه الذي لم يعد مدركاً للوقت ولا حتى لنفسه.

الكثير من الأحداث حصلت في العائلة ومع أصدقاء الشقيقين، الذين تزوّج بعضهم وأنجب وأصبح ابنه يشبهه بطريقة لن يصدقها محمد الذي كان لطالما يمازح هذا الصديق ويخبره أنه لن يكون في هذا العالم نسخة ثانية منه، جاءت النسخة لكن محمداً رحل وإن كان جسده لا يزال فيه نبض.

منظره وهو ممد في سريره لا حول له ولا قوة يجعل شقيقه أحمد وجميع أفراد عائلته يشعرون بالعجز لكونهم غير قادرين على فعل شيء لهذا الشاب اليافع الذي من المفترض أنه شخص طبيعي ولربما لولا تلك الحادثة لكان الآن أبًا لطفل يحمله على كتفيه ويسير به بين الناس.

أما الآن.. مستقبل محمد في علم الغيب، لا نعلم إن كان سيعود إلى حياته وجسده وأهله أم سيبقى أسيراً لذاك السرير وتلك الإبرة التي تلقمه الطعام وكأنه حمامة صغيرة لم تتعلم المضغ بعد.. والسؤال المشروع حتى متى سيبقى محمد على هذا الحال؟ وهل كان سيلقى نفس المصير إن توفر له الدعم؟ وهل يمكن أن ينقذ فاعل خير حياته بتحمل نفقات علاجه في الخارج؟!

اخبار ذات صلة