من بين التجارب التي يخوضها المرء في حياته هناك تجربة واحدة فقط تميّزت مما سواها, تظل عالقة في الذهن, حاضرة على سُلم الألويات عند كل نقاش يليق بها, لذا لم أتردد يومًا في الحديث عن اختياري لتخصصي الجامعي, تجربة تميّزت عندي ممّا سواها.
مازلت أذكر جيدًا ذلك اليوم الذي قررت أن أتجاوز خوفي من أول قرارٍ مصيري أتخذه وحدي وأمضى نحو طموحي, مع أنه لم يحظَ على مباركة أحد, بتقديري أصعب ما يواجه المرء أن يُناقش بفكرة شغوف بها, لم يدعمني أهلي حينها كونهم كانوا يروني الأجدر بقسم التمريض تارةً، وفي تخصص اللغة العربية تارة أخرى, أما أنا فلا أرى نفسي إلا في تخصص "الصحافة والإعلام", تمسكت أمامهم بكل ما أوتيت من شغف حتى نزلوا عند رغبتي, تلك التجربة هي المرّة الأولى التي عِرفت فيها ماذا يعني أن يكون المرء شغوفًا بفكرة ما.
إن الشغف ليس أمرًا نكتشفه ثم نتوقف, ولا أمنية نحققها بمجرد تخطينا أولى درجات السلم, بل هو ينمو بمرور الوقت, يُصقله المرء بكل أوتي من المحاولات والإنجازات, على سبيل المثال: إن كنت شغوفًا بالكتابة؛ فمن البدهي أنك ستمر بمراحل عدة لتطوير مهاراتك اللغوية والأسلوبية لتكون كاتبًا مؤثرًا, كذلك إذا كنت تُحب القراءة, أو الطبخ، أو الموسيقا، أو الرسم، أو غيرها من الأشياء التي لا تكتفي بحد معين من الغذاء لتستمر، ولا بوقت محدد لتُسمى "شغوفًا بها".
الشغف يلهمنا جنون الفكرة؛ فما وُجد في عملٍ إلا زاده بهاءً, والشغف هو حياة الفؤاد، هو الحافز الذي يدفعك إلى الأمام ويهوّن عليك مشقات الطريق, ودون شغف تفقد الحياة ألوانها.
كلٌّ منّا أصابه هذه الدرجة من الحب تجاه شيء ما, لذا حاول أن تبحث عن شغفك بالأشياء، مهما كانت بسيطة, واعمل في إطارها، لأن الشغف سبب رئيس في تحفيزك على تحقيق حُلم طالما راودك, وإيقاد نار الإبداع وإثارة الحماسة تجاه ما تعمل.
كثيرون هم الشغوفون بأفكارٍ وأشياء لا يستطيعون تحويلها إلى واقع تقرّ به عيونهم, مع سعيهم إلى ذلك، لأن الظروف لم تُساعدهم, لكن الشغوف لا يستسلم للواقع، قد ييأس, وتفشل وتفتر همته إلى الحد الذي تُشعره الحياة بأنها لن تتصالح معه, كلٌّ يمر بهذه الأحاسيس العكسية التي تنهك أرواحنا, لكن إن كنت مؤمنًا حقًّا فطوّع كل هذه المشاعر السلبية للوصول إلى هدفك, أبدًا لا تُفرط في شغفك, ولا تمّل من المحاولة, آمن بنفسك ولا تنتظر من يدعمك أو يُساندك؛ فأنت حين تؤمن بنفسك، وتُثبت صحّة طريقك، وصدق نبوءتك بالشغف بأشياء بعينها؛ حينها فقط سيؤمن بك من حولك.