كثيرًا من الناس يحبون سماع العتاب، لكن عتاب الهمسات الذي يرقق القلب ويعدل المسار ويشعر بالأمان.
يتردد على لسان صديق لي أنه دومًا يرغب بسؤال الأصدقاء عن نفسه ليقوموا سلوكه ويعدلوا طريقه ويحسنوا من أدائه، لكن ليس من أي أحد سوى من أحب نصيحتهم وحسن كلامهم، وذوقهم العالي في تقديم النصيحة دون خدش أو إيذاء للنفس أو فضيحة على ملأ أو تقليل من الشأن.
هذا العتاب الذي يؤلف القلوب ويخاطب الأرواح كأنه نسيم جميل هو المطلوب.
فإن كثيرًا من العلاقات الاجتماعية وصور التواصل بين الناس تأخذ مسارًا سلبيًّا، فيه الكراهية والنفور والجدال العقيم والحقد والرغبة بالانتقام، فقط بسبب سوء استخدام الكلمات وعدم اختيار الأسلوب المناسب ذي الأثر الطيب الجميل؛ فالمعاتبة لا تعني الوقاحة أو ذكر العيوب أو استخدام كلماتٍ تجرح ولا يداويها الزمن.
العتاب يحتاج منها لمهارة وحسن تصور وفراسة في اختيار الوقت المناسب، والحالة النفسية التي تقبل وتكون مهيأة لاستقبال تلك النصيحة، أو ذلك العتاب، أو المراجعة، وأيضًا الأسلوب واختيار الكلمات.
وعليه كي يحقق ذلك الأسلوب أثرًا طيبًا وإيجابيًّا، ويصبح له أثره في التعديل والتقويم والتطوير الذاتي؛ لابد من:
- امتلاكنا الفهم الصحيح في معرفة الشخصيات وجوانبها المختلفة، والأنسب في التعامل معها.
- علاقتنا بالآخرين قائمة على الشكر والثناء والاحترام، وهذا ما يعزز العلاقة ويجعل الآخرين آذانًا صاغية لكلماتك، أما كثرة الانتقاد واللوم والعتب فمرفوضة.
- لطبيعة النصيحة وطريقة تقديمها دور في تقبلها؛ فلا تجعل كلامك أوامر وتعليمات، أو تحوله إلى جدال مع من تحاوره.
- كن طيبًا سمحًا، خالط كلماتك بابتسامة وشعور بالحرص والطيبة والصدق.
- أوضح محاسن الآخر، واذكر دومًا مناقبه وصفاته وأدواره؛ فذلك مدخل من مداخل المحبة وبناء الثقة.
- المدح وبيان أدوار وإنجازات الآخرين أمر مهم يجعلهم أكثر إنصاتًا وتقبلًا.
- لا تغفل عن أن الناس كتلة من المشاعر والعواطف؛ فلا تكن ثقيلًا بنصيحتك أو مجرّحًا بكلماتك.
- إياك وأن تحول العتاب إلى جدل أو دفاع عن النفس، وهذا يعتمد على مدى التقبل والفكرة الموجودة عند الآخر عنك، أو طبيعة الأسلوب المستخدم.
- لا تغالِ وتبالغ في تهويل أخطاء الآخرين، وكن دومًا موضع تحفيز ودعم؛ فكل إنسان يخطئ، ولا تنكر خير الإنسان، ثم أعنه على كشف خطئه وجمال دوره، وكيف له أن يكون أفضل بذكر الحلول والاعتراف بالخطأ.
- لا تكثر من اللوم والعتاب؛ فذلك مدخل للكراهية والنفور.
- التعيير والتقليل من شأن الآخرين والتذكير الدائم بأخطاء الماضي كفيلة بأن تزرع الحقد، وتبني الحواجز في العلاقات بين الناس، لتصبح النصيحة نقمة والعتاب شعلة خصام بين الأطراف.
فلابد من استحضار تلك الأشياء وأهميتها وأثرها في عقولنا حتى تنعكس على مشاعرنا وتصرفاتنا، وتدفعنا دومًا إلى التفكير بها قبل مخالطة الناس والتواصل معهم، حتى نكون ذوي أثر طيب وأصحاب قبول اجتماعي، ونمتلك تميزًا خاصًّا بسحر الكلام وأثره، بأسلوبنا ولغة جسدنا وطريقة حديثنا، وتقديرنا للموقف والمكان والظرف في تقديم المعاتبة أو المراجعة.
وعلينا دومًا الانتباه إلى أن الإنسان بفطرته يميل إلى من يقدره ويكرمه ويحترمه، فيشعر بالأمان ويرى نفسه من خلال حديثه.
فكن على يقين أن كثرة اللوم والعتاب، وذكر عورات وعثرات الشخص أمام غيره فضيحة ونقمة وكراهية تبنى بين الأشخاص.
فالعتاب المزعج المتكرر الكثير يفرق بين الأحبة، ويصيب الإنسان بالضجر والكراهية؛ فالعتاب ثقيل؛ فلا تجعله جدلًا ولا ترسله جبلًا.
ولذلك علينا أن نرتقي بأذواقنا وإنسانيتنا ومعاملاتنا، ونحب للآخرين ما نحب لأنفسنا، ونستحضر دومًا مهاراتنا الشخصية والحسية والعاطفية والاجتماعية في شكل تواصلنا وعلاقاتنا معهم.
وبذلك نحقق لأنفسنا حضورًا وأثرًا جميلين، وننسج علاقات ومكانًا طيبًا وجميلًا في نفوس الآخرين، ونترك لنا سمعة طيبة وذكرى حسنة في حياتنا وبعد مماتنا، ولنا في كثير من النماذج قدوة ودرس، فلنكن دومًا ممن طاب ذكره وحسن أثره.