بمفردهم وتحت مظلة الوقفات الاحتجاجية لا غير، يواجه أهالي الشهداء الفلسطينيين المساعي الإسرائيلية لتشريع قوانين تمنح سلطات الاحتلال صلاحية احتجاز الجثامين لغرض المساومة على إطلاق سراح أسرى، في ظل غياب دور المؤسسات الفلسطينية الرسمية سياسياً وميدانياً بإسناد حراك الأهالي.
وكانت محكمة الاحتلال العليا قد تراجعت قبل قرابة الأسبوع، عن قرارها الصادر في 14 ديسمبر/ كانون الأول، والقاضي بضرورة تحرير جثامين الشهداء الفلسطينيين المحتجزة بشكل غير قانوني، مؤكدة في حينه أن حق الدفن مكفول للجميع، وحتى "القتلى" يحقّ لهم الدفن بكرامة وبطريقة مناسبة.
وبحسب نصّ القرار القضائي، فإن على حكومة الاحتلال سنّ قانون جديد يسمح باحتجاز الجثامين لغرض المساومة "بما يتناسب مع القوانين الإسرائيلية ومع القانون الدوليّ"، لأجل التفاوض على إطلاق سراح جنود أسرى، وأنه في حال لم تفعل ذلك خلال مدة ستة شهور من اليوم، فسيتم الإفراج فورا عن جثامين الشهداء.
وجاء تراجع المحكمة بعدما أقر كنسيت الاحتلال في أواخر يناير/ كانون الثاني المنصرم بالقراءة الأولى قانونا يُخول شرطة الاحتلال فرض قيود مشددة وتحديد كافة تفاصيل جنازات الشهداء من منفذي العمليات تحديدا، بعدما صادقت اللجنة الوزارية بالكنيست على مشروع القانون، بمطلع العام الجاري 2018.
وارتفع عدد جثامين الشهداء المحتجزة عند سلطات الاحتلال إلى 17 جثماناً، بعد احتجاز الأخيرة جثمان ياسين السرايدح الذي استشهد الخميس المنصرم جراء تعرضه للضرب المبرح من قبل جنود الاحتلال الذين قاموا باعتقاله من مدينة أريحا، بينما يعتبر جثمان الشهيد عبد الحميد أبو سرور (19 عاماً) من أقدم الجثامين المحتجزة منذ أبريل/ نيسان 2016.
المتحدث باسم أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال، المحامي محمد عليان أكد على عدم وجود أي دور رسمي للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة على صعيد تحريك ملف الجثامين المحتجزة، مقابل تسخير الاحتلال إمكانيات فنية وقضائية وأمنية وسياسية من أجل تمرير أهدافه.
وقال عليان في حديثه لصحيفة "فلسطين": "هناك ثلاث مؤسسات ومن خلال ثلاثة محامين يعملون بشكل فردي في مجال الدفاع عن مطالب أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم، وهم مركز القدس للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان، مركز عدالة، هيئة شؤون الأسرى التي تقدم دعم قانوني وليس سياسيا".
وأضاف عليان "أهالي الشهداء لا يستطيعون بمفردهم مواجهة السياسات الإسرائيلية من فرض العقوبات الجماعية وإجبار على دفع غرامات مالية باهظة إلى هدم منازلهم وصولا إلى الاستمرار باحتجاز جثامين أبنائهم وسن قوانين جائرة بحق ذويهم".
وتساءل عليان بلغة الاستنكار "ألا تستطيع السلطة إصدار بيان استنكار ضد استمرار احتجاز الجثامين وتحدد موقفها من القضية؟ ولماذا لا تعمل على إعداد الملفات وتقدمهم لمحكمة الجنايات الدولية؟ ولماذا لم تشن حملة دبلوماسية في المحافل الدولية ضد الاحتلال، الذي ينتهك صراحة القوانين الدولية".
وأوضح عليان أن جميع مؤسسات الاحتلال تعمل على مدار الساعة في سبيل إصدار عدة قوانين تمنع تسليم الجثامين، مناشدا السلطة الفلسطينية التحرك وتشكيل فريق وطني يدافع عن قضية أهالي الشهداء وعدم الاكتفاء بالمحامين الثلاثة.
ويمنح القانون، الذي أقره الكنيست، شرطة الاحتلال أحقية إعاقة إعادة جثامين الشهداء من منفذي العمليات تحديدا، أو تسليمها وفق شروط إجبارية على الأهالي، كالتحكم بعدد المشاركين في الجنازة ومسار الجنازة وكذلك مكان وتوقيت الدفن، بجانب تحديد قائمة من الأغراض التي يمنع حملها في الجنازة.
استمرار الحراك
من جهتها، أوضحت المحامية في مركز عدالة، سهاد بشارة أن قضية احتجاز الجثامين ما زالت عالقة في محكمة الاحتلال العليا بعدما أصدرت حديثا قرارا بقبول طلب "الحكومة الإسرائيلية" بإعادة النقاش في الالتماسات المقدمة بشأن الإفراج عن جثامين الشهداء.
وقالت بشارة لصحيفة "فلسطين" "من المتوقع أن تبحث المحكمة الالتماسات والاعتراضات في منتصف العام وتحديدا في شهر يونيو/حزيران القادم من خلال جلسة مؤلفة من سبعة قضاة"، مؤكدا أن الحراك ضد القانون الإسرائيلي، الذي أجاز احتجاز الجثامين، سيبقى مستمرا على أمل المحافظة على قرار المحكمة الأول رغم بعض الإشكاليات عليه.
وكانت عائلات الشهداء قد قدموا في مطلع الشهر الجاري ردهم لمحكمة الاحتلال حول القانون الذي أقرته الحكومة، وذلك باسم منظمات حقوقيّة ثلاث.
وجاء في رد المنظّمات الحقوقيّة باسم عائلات الشهداء أن "ممارسات (إسرائيل) تشكّل انتهاكًا سافرًا لحقوق العائلة بالكرامة كما بحقّ أبنائهم الشهداء.. حق كل إنسان متوفى بالدفن السريع والمُحترم والملائم هو جزء لا يتجزّأ من الحق بالكرامة، إذ إن كرامة الإنسان ليست كرامته أثناء حياته وإنما بعد وفاته أيضًا".