قال الخبير في الشؤون الإستراتيجية معين مناع، إن السلطة الفلسطينية منذ الإعلان الأمريكي بشأن القدس، تسير وفقا لردات الفعل المنضبطة، وبصورة غير منفكة عن كونها جزءًا من النظام العربي.
وقال مناع في حوار مع "فلسطين"، أمس، إن ردة فعل السلطة بقيت في حدود القول والتصريح وبما لا يهدد مصالح الولايات المتحدة، عوضا عن التزامها بمحددات العملية السياسية الجارية مع (إسرائيل) وتحت الرعاية الأمريكية.
وأضاف: يمكن القول بأن "حراك السلطة بقي ضمن هوامش السماح الأمريكي؛ وليس أكثر"، مشيرًا إلى أنه ما دامت تقديرات واشنطن بعدم ظهور ردود فعل تهدد مصالح بلادها أو الأمن القومي للخطر، فإنها من الطبيعي أن تنفذ إعلانها بنقل سفارة بلادها من "تل أبيب" للقدس المحتلة.
وصرح مسؤولون في الإدارة الأمريكية أن تنفيذ قرار نقل سفارة بلادهم من "تل أبيب" لمدينة القدس المحتلة سيتم في مايو/ أيار المقبل، تزامنا مع ذكرى إقامة دولة الاحتلال على أرض فلسطين.
ممارسة السلطة
ورأى مناع أن الدبلوماسية الأمريكية تفرق بين ما يقوله حلفاؤهم وما يفعلونه، لذلك فإن المعول لديها على ما تمارسه السلطة وليس على ما تصرح به بشأن إعلان ترامب تجاه نقل السفارة للقدس المحتلة أو الاعتراف بالمدينة عاصمة موحدة للاحتلال.
وتابع: "بالنظر إلى حالة السلطة، فإن التقدير يقول إنها لا تستطيع معارضة الإرادة الأمريكية حتى النهاية؛ لاعتبارات كثيرة، منها: الوضع المالي، مستقبل حلم (الدولة)، عدم القدرة على المخاطرة بالتحالف مع أميركا وشركائها العرب، وعدم القدرة على تعطيل الرغبة العربية عامة في إنشاء تشكيلات إقليمية جديدة، تكون دولة الكيان القوة المركزية فيها، وغير ذلك من الاعتبارات".
ونبه إلى أن واشنطن لم تكن كذلك قلقة من المواقف العربية والاسلامية الرسمية إزاء إعلانها، وقد صدر عن الخارجية الأمريكية بهذا الخصوص قولها: إنها مرتاحة لردود الفعل العربية المنضبطة.
وذكر الخبير في الشؤون الإستراتيجية أن ردود الفعل على المستوى الشعبي، لم تكن بمستوى يجعل أصحاب القرار في أميركا يراجعون مواقفهم أو يعيدون حساباتهم؛ فهي "كانت فردية أو فعاليات عفوية" وفق تعبيره.
ورجح أن تجد كافة الإجراءات الإسرائيلية في القدس المحتلة من بعد قرار نقل السفارة الأمريكية للأخيرة دعما دبلوماسيا على مستوى المنابر الدولية كافة؛ ابتداء من مجلس الأمن وانتهاء بكافة المنظمات التابعة للأمم المتحدة.
ورأى مناع أنه في حال عادت السلطة إلى المفاوضات، فمن شأن ذلك أن يضفي شرعية على الخطوة الأمريكية، ويخفف الحرج عن عدد كبير من الدول من تقليد الإجراءات الأمريكية، مهما كانت ذرائع السلطة.
وأكد أن أيا من التحالفات التي يجري الحديث عن تشكيلها في المنطقة ويكون الاحتلال الاسرائيلي طرفا فيها، سوف يضفي شرعية، بشكل أو بآخر بأن القدس مدينة موحدة عاصمة لدولة الاحتلال.
مظلة دولية
وحول سعي السلطة لإشراك أطراف دولية مع واشنطن في إطار عملية التسوية، رأي أن ذلك خطاب موجه للشارع الفلسطيني، ولا يوجد له معنى في أروقة الدبلوماسية الدولية أو الإقليمية.
وذكر أن الرباعية الدولية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاتحاد الروسي، هي المظلة الدولية المعتمدة للتسوية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية، ومع ذلك جاء الاستفراد الأمريكي لرعايتها لاعتبارات لم تتغير.
وأردف مناع: "على المستوى الدبلوماسي؛ فلا محل لتغيير المرجعية الدولية ولا قيمة لمقولة (لي ذراع) الإدارة الأمريكية التي يصرح بها البعض، خصوصًا وأن السلطة تتحرك بنقاط ضعفها: الانقسام والتبعية المالية، وليس من نقطتي قوتها: الوحدة والتحرر".
وفي شأن منفصل؛ وحول النظرة العربية للخطة الأمريكية والتي تعرف إعلاميا بـ "صفقة القرن" تجاه المنطقة والقضية الفلسطينية، قال مناع إن الصفقة ظهرت في سياق إعادة تشكيل التحالفات الاقليمية؛ ضمن تطورات المنطقة، وفي ظل تموضع لاعبين دوليين مثل أميركا وروسيا ولاعبين إقليميين مثل إيران وتركيا و(إسرائيل).
وأضاف: "وعلى هذا الأساس، فإن غالبية الدولة العربية وخصوصًا الدول القريبة من بؤر التوتر (اليمن، العراق، سوريا، فلسطين) تجد نفسها معنية في التساوق مع التوجه الأمريكي بدعوى الاعتبارات والمصالح القطرية".
واستبعد مناع وفي ضوء ما سبق إمكانية أن تظهر معارضة عربية للمشروع الأمريكي، المتمثل في "صفقة القرن"، وأنه من المحتمل أن نلاحظ بعض التعديلات في البرنامج الزمني للتطبيق، أو إخراج بعض البدائل بما يتلاءم مع متطلبات ومصالح الدول المعنية في التنفيذ.
وقدّر أن من بين الأهداف التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تحقيقها من خلال رؤيتها في (الشرق الأوسط الجديد)، هو التطبيع العربي مع دولة الاحتلال، وهذا الهدف يقتضي بالضرورة إنهاء مضاعفات القضية الفلسطينية وإزالة معوقاتها أمام تطبيع وجود هذه (الدولة) مع محيطها العربي أولًا.
مواقف وتحالفات
وفي مقابل ذلك، أكد مناع أن عموم دول الإقليم من الدول العربية يهمها أن تبقى تحت المظلة الأمريكية؛ ما يعني الالتقاء حكمًا مع تصور واشنطن لمستقبل دولة الاحتلال ولمستقبل القضية الفلسطينية.
ورأى مناع أن يكون هذا المسار هو المعيار الذي يحدد المواقف والتحالفات والخصومات أو العداوات؛ فلسطينيًا وعربيًا وإقليميًا، خصوصًا أن الإقليم ما يزال في حالة التدافع ورسم التموضعات.
وشدد على أن استئناف دور قوي ومؤثر لمواجهة ما يجري من مخاطر فإنه يستلزم إعادة بناء الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية من جديد، وأنه وما دامت عملية إعادة البناء تحتاج إلى وقت ومعطيات كثيرة، إلا أن ترميم هذه الإستراتيجية قد يكون هو الخيار الأمثل في ظل هذه الظروف.
وأكد مناع أن عملية الترميم تتمثل في تسليم قيادة العمل الوطني للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، واعتماد وثيقة الوفاق كبرنامج وطني موحد، تتم مراجعة كافة السياسات والاتفاقات في ضوئها، ومطالبة كافة قوى الإقليم العربية والاسلامية بدعم هذا التوجه الفلسطيني والتساوق معه.