فلسطين أون لاين

​بينها وبين حلم الأمومة "1000 دولار" و"أمنية"

...
خان يونس / غزة - رنا الشرافي

تعيش الأنثى طفولتها كأم.. أمٌ لألعابها، أمٌ لقطتها، وأمٌ لإخوتها الصغار، بل هي أم لكل عمل تقوم به.. مشاعر انتقلت إليها بالفطرة عاطفة حب وحنان كبيرة جدا، وثقيلة إن بقيت تجثم على صدرها، فتراها دائما تبحث عن وجهة لتفريغ بعض من تلك العاطفة بل إنها "عاصفة".

تحيط العالم بما لديها من مشاعر، وتنتظر لحظة لقائها بفارس الأحلام لتُكوّن عائلتهما الصغيرة، والتي لن تكتمل دون طفل يمنحاه القدر الأكبر من تلك العاطفة التي غرسها الله في صدور الإناث.

الذرية الصالحة

حكايتنا اليوم عن شابة في مقتبل العمر، تزوجت منذ ثماني سنوات، وسكنت في منزل عائلة زوجها في غرفة من "الإسبست" كسائر أرجاء المنزل الذي تصل مساحته إلى 160 متراً، ويسكن فيه 18 فرداً.

وكأي فتاة حديثة العهد بالزواج، كانت "أسماء" تبحث عما يكمل أنوثتها، ذاك الشعور الذي لن تناله إلا إذا أصبحت أماً.. مرّت الشهور والسنوات تباعا، وكل من رآها من الأقرباء دعا لها بالذرية الصالحة.

لم تكن "أسماء" تعاني من مشكلة صحية، ولا زوجها أيضاً، ولكنه القدر الذي كتب عليهما ألا يكونا سببا في الإنجاب لبعضهما.. هي ربة أسرة وزوجها عمل في "الأنفاق التجارية" حتى أصيب بغضروف الظهر، ما حال دون مواصلته للعمل، الذي توقف لاحقا بسبب الحالة السياسية في البلاد.

أيام "أسماء" وزوجها العاطل عن العمل، أصبحت كلياليها، فاقة مالية، وضائقة تعتصر الجيوب والقلوب، حالة منعتها من أن تطلب العلاج من زوجها، فهما بالكاد يجدان ما يأكلانه مع عائلة زوجها التي تعيش على ما تمنحه لهم وزارة الشؤون الاجتماعية.

رغبتها الملّحة في أن ترى طفلاً على يديها جعلتها ترتدي ثوب الهمِّ باكراً، فهذه الشابة أصبحت تبدو أكثر هرماً من عجوز، بشرتها مسطحة نعم ولكن ما في عينيها من حزن منحها سنوات كثيرة من العمر أُضيفت لسنوات عمرها .

شقيقتها "أكثر يسراً من حالها"، اطصحبتها إلى الأطباء مرات عدة، على أمل أن يعرفوا ما العِلة التي تمنع أسماء من الحمل، لكنها في كل مرة تأخذها للفحص وإجراء التحاليل تعود بنفس النتيجة: لا مانع جسدي ولكنه قدر الله.

توالت السنوات حتى تجاوزت الثمانية، وحال "أسماء" وزوجها لا يزال على حاله، حتى أخبرتها قريبة لها عن إعلان منشور عبر صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لمؤسسة فلسطينية تبدي استعدادها لمساعدة الأزواج على الإنجاب.

جاءها الفَرَج

لم تُكذب أسماء الخبر وسارعت بالتسجيل، وبعد فترة من الزمن جاءها الفرج.. اتصال هاتفي أخبر زوجها المقيم وإياها في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، أن عليه أن يحضر زوجته إلى عيادة أحد الأطباء المشهورين بزراعة الأجنة في مدينة غزة خلال ساعة من الآن.

الوقت كان قصيرا جدا، ولا يوجد في جيب "أسماء" وزوجها "ولا حتى شيكل واحد"، قالتها أسماء وأضافت: "هرعت إلى شقيقتي التي ساعدتني سابقا فاصطحبتني إلى ذاك الطبيب، وبعد شهرين من العلاج قمت بالزراعة".

وقبل أسبوع من الآن أجرت "أسماء الفحص الاعتيادي للحمل لتجد نفسها حاملاً بالفعل.. خبر زاد تأخره في الوصول من غلاوته على قلب أسماء وزوجها اللذين خرا ساجدين على الأرض فرحاً بالخبر السعيد.

لكن فرحة "أسماء" لا تزال غير مكتملة فهي –حسب ما أخبرها به الطبيب- تحتاج إلى حقن طيلة فترة العمل تكلفتها خلال التسعة أشهر 3700 شيكل، أي ما يعادل تقريبا ألف دولار أمريكي تقريبا، ناهيك عن ثمن الأدوية والمواصلات إلى عيادة الطبيب في غزة، والتي لا تملك منها شيئاً.

فرحة "أسماء" المنقوصة لا تزال في انتظار من يساعدها حتى تصل بحملها إلى بر الأمان، "ربنا ما يحرمه من أولاده وينولها لكل مشتهٍ".. دعت بها "أسماء" لكل من يستطيع أن يقدم لها العون.

أما زوجها فقال: "إنها تحتاج إلى الغذاء، لا يوجد في منزلي حبة بندورة واحدة"، متسائلا: "كيف سأشعر بالفرح وأنا أخشى على الجنين من الإجهاض في كل ساعة تمر دون أن أستطيع أن أؤمن لزوجتي تلك الحقن والأدوية ولا حتى الغذاء".

"أسماء" وزوجها والدَيّن مع "التهديد" المستمر بزوال هذا الحمل المنتظر منذ أكثر من ثماني سنوات، بسبب فاقة زوجها وسوء الأحوال الاقتصادية في قطاع غزة.. حكاية ألم لا تزال تعيش تفاصيلها تلك الزوجة، والخوف من القادم سيد الموقف.