فلسطين أون لاين

تمرد على الاعتقال الإداري

الاعتقال الإداري حكم يخضع له الفلسطيني فقط. ولا أحسب أن بشرا في العالم المتحضر، أو العالم المتخلف يخضع لمثل هذا الحكم؟ فهو أكذوبة كبيرة لاعتقال شخصيات فلسطينية بلا مبرر حقيقي، حتى بموجب قوانين دولة الاحتلال، الاعتقال الإداري يتم بملف مخابرات سري لا يطلع عليه غير قاضي الاحتلال، وأما محامي المتهم لا يمكنه الاطلاع على بيانات الملف السري. البيانات السرية حال توافرها تكون من صناعة عميل. العميل ربما يكون فاشلا، ونسج تقريره بخياله وبحسب مزاجيته. رجل المخابرات لا يهتم بذلك، والمهم عنده أنه يمتلك ما يسميه أمام القاضي أسرارًا تهدد أمن دولة الاحتلال. القاضي لا يسأل رجل المخابرات من أين لك هذه المعلومات؟ وكيف حصلت عليها؟ وما مدى مصداقيتها؟ وهو بالتأكيد لا يطلب مثول العميل بين يديه للمساءلة؟


ما يقوله الملف السري هو صادق، مصدوق، مصدق. وبناء على ما تقدم يصدر القاضي الكذاب حكما إداريا بالسجن لمدة ستة شهور، وتجدد المدة مرات ومرات تحت اسم الملف السري، وأمن دولة الاحتلال.


أما الطريقة الخاصة التي تطبقها إدارة مصلحة السجون التعسفية بحق الأسرى الإداريين إلا وهو العزل الانفرادي الذي يعتبر حكم قضائي بصورة الاغتيال البطيء والتسبب بأمراض نفسية وجسدية تقوم على الانتقام خلافًا للقانون الدولي، الذي يمنح المحكوم حقوقًا مدنية كاملة، ومنها العيش بين مجموعة من المعتقلين، وتلقي الزيارة المقررة من المحامي، ومن الأهل. المعتقل بعد المحاكمة له حق الرعاية الصحية، وحق الرعاية النفسية، وحق الرعاية في الحماية من الضرر المتعمد.


سؤال ربما يبدو للبعض ساذجا، لأن الإجابة عنه ستكون أكثر منه سذاجة عند من لا يعرف هدف الأسرى، وهو بالتأكيد من أجل تحريرنا وتحرير وطننا. لكن السؤال الأكثر وجوبا هو، أين هو التضامن الشعبي مع الأسرى، الذي لم يرقَ إلى المستوى المطلوب والوجوب تجاه أسرانا الأبطال؟! فنحن نأكل ونشرب ونتنظر في بعض الأحيان على انقطاع الكهرباء لساعات قلائل أو نضجر لنقص الوقود أو الدقيق، وإخواننا الأسرى يخوضون في سجون الاحتلال ببطون خاوية وظلمة دامسة معركة الكرامة؛ من أجل من يا ترى؟!


فإضراب الأسرى يهدف إنهاء العزل الانفرادي، والخروج من الزنزانة إلى الحياة بعد أن استنفدوا كل الوسائل وبذلوا ما في وسعهم من جهد، وهم بانتظار مزيد من فعاليات التضامن وأشياء أخرى، لأن هذا التضامن وحده وبشكله الحادث تأثيره محدود رغم ضرورة استمراره وتوسيع نطاقه من كافة الشرائح في المجتمع الفلسطيني، وفي كافة التواجد الفلسطيني، والعمل على تحشيد كل الإمكانيات من أجل خلق حالة رأي عام ضاغط على الاحتلال،


فالتمرد على هذا القانون اللا إنساني يأخذ شكلاً تضامنياً جديداً مع الأسرى الإداريين المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال، من خلال موقعي التواصل الاجتماعي "تويتر وفيسبوك"، حيث تستخدم فيها أكثر من 12 لغة عالمية وعدة أوسمة متفق عليها أبرزها وسم: ((#‏مي_وملح)). بالإضافة إلى مجموعة نشاطات تضامنية متنوعة يرعاها إعلاميون وحقوقيون وأهالي الأسرى ضمن حملة أطلقوا عليها اسم "أسقطوا الملف السري". وتهدف حملة "أسقطوا الملف السري" إلى تكثيف البث الإعلامي المرئي والمسموع والمقروء عن إضراب الأسرى من خلال دعوة وسائل الإعلام العربية لعمل تغطيات خاصة وبالتوازي مع حشد إلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر"، للتعريف بمعاناة الأسرى الإداريين وتطورات إضرابهم.


لعل الاعتقال الإداري أسوأ أنواع الاعتقال من الناحية النفسية كونه لا يرتبط بعامل الزمن وقد أخذ به الاحتلال الانتداب البريطاني وطبقه بطريقته الخاصة على آلاف من أبناء الشعب الفلسطيني وقادته، اللذين حرموا من حقهم الطبيعي بمحاكمة عادلة، وبحق الدفاع، وبحق إطلاع محامي الدفاع على البيانات، وبسبب إحساس المعتقلين أن الاعتقال الإداري ممتد وغير قابل للتوقف وهو يتوالد يومًا بعد يوم كان الإضراب المفتوح عن الطعام، ومن أهدافه إغلاق ملف الاعتقال الإداري، وتوفير محاكمة عادلة للمتهم، أو إطلاق سراحه، لا سيما وأن الذين يعانون من الاعتقال الإداري هم فئة القيادات والمثقفين من أبناء الشعب الفلسطيني.


واللافت للنظر أن أغلب إضرابات الأسرى في سجون ومعتقلات الاحتلال، إن لم تكن كلها، قد انتهت بنجاح وحققت انتصارًا للإرادة القوية, إدارة وصبر وتحمل ومعاناة أسرانا الأبطال، بل إنها إرادة وعزيمة قوية وجبارة لم تشهدها السجون الإسرائيلية من قبل.. إضراب عن الطعام حقق من خلاله الأسرى كافة مطالبهم بدرجة كاملة، ولو أن نسبة النجاحات كانت تتفاوت من إضراب لآخر، إلا أنها في الغالب كانت كسرًا لجبروت إدارة السجون وانهزام عناد السجان أمام صبر الأسير والإذعان لمطالبه وفي مقدمتها إنهاء العزل الانفرادي لكافة الأسرى المعزولين، والسماح لأهالي أسرى قطاع غزة بزيارة أبنائهم بعد منعهم لأكثر من خمس سنوات، ووضع قيود للحد من سوء استخدام "الاعتقال الإداري"، وكانت بمثابة انتصار على ذواتهم بإعادة الاعتبار لثقافة المقاومة خلف القضبان واستعادة روح المواجهة والتحدي للسجان وما يمثله، واستعادة هيبة ومكانة الحركة الأسيرة, وانتصار لوحدتهم على الانقسام وتداعياته المريرة، رغم ما اعترى مسيرة الإضراب من اجتهادات ومواقف مختلفة, وانتصار في إعادة الاعتبار لقضيتهم على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية.


إضراب الأسرى عن الطعام تجربة نوعية تُضاف إلى جملة التجارب التي خاضتها الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي على مدار العقود الماضية. كما لم يسبق أن انتهى إضراب للأسرى بتوقيع اتفاق مكتوب وبرعاية عربية أو دولية، كما أن التضامن عبر شبكات التواصل الاجتماعي هو واجب من جميع المحبين للحرية في ظل تصريحات وزير الاقتصاد المتطرف (نفتالي بينت)، بالإضافة إلى إصدار قانون (الكنيست) اللا إنساني القاضي بتقييد الإفراج عن الأسرى.


لكن مطلوب من أبناء شعبنا كل في مكانه في الوطن والشتات بنصرة إخوانه الأسرى بكل ما يستطيع، ولو بكلمة واحدة فلا يبخل عليهم، لأنهم بحاجة ماسة لهذه الكلمة أو لتلك الفعالية أو لذلك النشاط، هم بحاجة إلى جهود الجميع وبحاجة إلى التضامن معهم ومساندتهم في هذه المعركة الكبيرة مع الاحتلال.


أيضا مطلوب من وسائل الإعلام (خاصة النائمة) بالخروج عن صمتها والوقوف عند مسئوليتها تجاه هذه القضية العادلة، ومطلوب من الحقوقيين والقانونيين في كل العالم أن يخرجوا عن صمتهم وأن يدافعوا عن الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال.