فلسطين أون لاين

​تضييق الاحتلال وأسعار السولار يشددان الخناق على الصيادين

...
غزة - نسمة حمتو

يجلس الصياد محمد أبو ريالة (78 عامًا) في ميناء غزة منتظرًا سماع أي أخبار جديدة عن انخفاض أسعار السولار، والتي تسببت بأزمة كبيرة للصيادين، إذ زادت الأعباء المالية التي يتكبدونها في ظل التضييق الإسرائيلي المستمرة عليهم ومنعهم من الصيد في المساحة المسموحة لهم ومصادرة "حسكات" الصيد الخاصة بهم وعدم الإفراج عنها سوى بدفع غرامات مالية كبيرة.

خسائر غير مُتوقعة

قال الرجل الذي تعلم مهنة الصيد منذ ما يزيد على 58 عامًا: "منذ 12 عامًا ونحن نعاني من الحصار، أوضاعنا تزداد تدهورًا يومًا بعد يوم، والصياد أصبح يبحث عن مهنة أخرى كي يتمكن من توفير لقمة العيش لأبنائه".

وبعد أن ورّث مهنة الصيد لأبنائه، لا يستطيع أن يعمل بشكل مستمر، لا سيما أن استخدام حسكات الصيد يحتاج إلى كميات مضاعفة من السولار الذي ارتفع ثمنه في الآونة الأخيرة.

وأوضح: "يحتجز الاحتلال ما يزيد على 40 حسكة وقارب صيد منذ عامين أو أكثر، بتنا نتخوف من الخروج في رحلات الصيد بسبب التضييق الذي تتخذه قوات الاحتلال بحقنا، وهذا يعني أن مصدر الرزق الوحيد لنا أصبح غائبًا في أغلب الأحيان، ومن يوفر 20 شيقلًا في يومه يحمد الله ويشكره كثيرًا على هذه النعمة".

وعلى الرغم من أن وضعه المادي كان جيدًا قبل فرض الحصار على غزة، إلا أن السنوات الأخيرة كبدته خسائر كبيرة لم يكن يتوقعها.

معاناة الصيادين قديمة متجددة، وبحسب الصيادين، فإن هذه المعاناة تفاقمت لتبلغ ذروتها في الآونة الحالية، فهم، بفعل الاحتلال، تحت خطر القتل والاعتقال ومصادرة قواربهم من جهة، وتحت وطأة ارتفاع أسعار الوقود من جهة أخرى.

خسائر فادحة

ولا يختلف الحال كثيرًا عند شيخ الصيادين "رجب الهسي" (92 عامًا) فهو الآخر، على الرغم من خبرته الكبيرة في الصيد، إلا أن أبناءه وأحفاده يجدون مشكلة في الاستمرار على نهجه، إذ يعانون من صعوبات كثيرة بسبب التضييق المتواصل عليهم من قبل جنود الاحتلال.

الهسي، والذي كان يعمل صيادًا في مدينة حيفا قبل أن يهاجر من مدينته الأصلية عام 1948 إلى مدينة غزة، قال: "منذ الهجرة وحتى اليوم أعمل في مهنة الصيد، لم أرَ، على صعيد مهنتي، أيامًا أشد صعوبة من الأيام التي نعيشها حاليا، فالآن بالكاد يستطيع الصياد توفير قوت يومه، وأغلب الصيادين يرفضون خوض البحر حتى لا يتكبدوا خسائر كبيرة".

وأضاف: "عدم توافر مساحة صيد كافية للصيادين أجبرهم على التوقف عن العمل، هذه المساحة لا تتوافر فيها الأسماك المعروفة والتي ينتظرها الناس بفارغ الصبر، رغم أن موسم السردين في هذه الأيام، إلا أنه أصبح نادرًا وأسعاره مرتفعة جدًا".

وتابع حديثه: "بتنا ننتظر المساعدات كما لو كنا عاطلين عن العمل، فمثلا ابني الذي احتفلنا بخطبته قبل عامين، لم يتزوج حتى الآن لعدم قدرتنا على توفير مستلزمات العرس".

التزامات مالية

المعاناة ذاتها يواجهها الصياد جمال بكر (54 عاما)، فهو يعاني الأمرين بسبب عدم تمكنه من سد التزاماته المالية، وعن ذلك قال: "معانتنا كصيادين ليس لها حل أبدًا فعندما يتعطل القارب أو الحسكة نضطر للتوقف عن استخدامها في العمل لعدم توافر قطع غيار، وإن تواجدت القطع فأسعارها مرتفعة جدًا لا تناسب الربح الذي يحصل عليه الصياد".

وأضاف: "حق الصياد مهدور من كل الجهات، خسرت مركبين ولم أحصل على تعويض من أي جهة، للأسف نحن نعاني من عدم وجود جهة تحمي الصيادين، نحن عندما نخرج من بيوتنا نتوقع إما الاستشهاد أو مصادرة القارب".

وتابع: "وإذا خاطبنا المؤسسات الحقوقية تخبرنا بأنها أرسلت شكوى للجهات المختصة وتبقى هذه الشكاوى حبيسة أدراج الجهات المختصة لسنوات طويلة دون الرد علينا أو حتى تعويضنا".

ويضطر الصيادون بسبب الأزمة للمغامرة في البحر من أجل الحصول على كميات سمك يستطيعون بيعها أو حتى إطعامها لأبنائهم، فهذا الأمر أصبح واقعًا لهذه الفئة ولا يمكنها تغييره أبدًا.

مضايقات واعتقالات

نقيب الصيادين نزار عياش، قال إن الصيادين يتعرضون لمضايقات واعتقالات بشكل مستمر إضافة إلى مصادرة حسكاتهم، ويتم اعتقال بعضهم لأوقات قصيرة، مع مصادرة حسكاتهم.

وأضاف لـ"فلسطين": "هذا إضافة إلى ضيق المساحة وعدم وجود أسماك في المساحة المسوح للصيادين الوصول إليها، فالأسماك لا توجد إلا في عمق معين، وبالتالي لا يستطيع الصيادون توفير كل مستلزمات أسرهم".

وتابع: "الاحتلال يحاول تركيع هذه الشريحة والضغط عليها بشكل كبير عبر ما يمارسه من تضييق عليها"، مشيرًا إلى أن "كل مستلزمات الصيد ممنوعة من الدخول للقطاع، كأن الاحتلال يقول للصيادين اتركوا البحر".