حالة من التيه والقلق تلازم محمد الدرباشي (52 عامًا) في كل تفاصيل حياته، منذ أن أبلغ قبل قرابة الشهرين بقرار إدارة القطاع التعليمي في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" الاستغناء عن خدماته في السلك التعليمي.
ولم يخطر ببال الدرباشي يومًا أن رحلته في تعليم الأجيال ستنتهي بعد قرابة ثلاثة عقود بقرار "فصل" له يصل إلى المدرسة التي يعمل فيها، بذريعة عدم حصوله على الشهادة الجامعية الأولى (البكالوريوس).
وأرسلت "أونروا" في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017م كتابًا إلى المدارس التعليمية في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية جميعًا، يقضي بفصل من الخدمة كل معلم أو معلمة يحملون درجة الدبلوم، وذلك تحت عنوان: "فصلك من الخدمة لحملك شهادة دبلوم".
يقول الدرباشي لصحيفة "فلسطين": "لا سبيل أمامي إلا الانتظار، وترقب أي خبر يحمل بشرى بإنهاء الأزمة التي تهدد 158 معلمًا بمدارس الضفة، وضمان حقوقنا وحفظ مكانتنا معلمين يشهد بخبرتنا القريب والبعيد".
ويخشى الدرباشي أن تنقلب حياته رأسًا على عقب، إن مضت "أونروا" بقرار الفصل، وهو المعيل لعائلة مكونة من 11 فردًا، اثنان منهم طالبان جامعيان، يضيف: "سجلت في الجامعة لدراسة البكالوريوس على وفق ما اشترطت الوكالة لتفادي الفصل، ولكن العقل مشغول طوال الوقت بالتفكير في المستقبل".
وفي حين يصف الدرباشي قرار الوكالة الأممية بفصل كل معلم ومعلمة من حملة درجة الدبلوم بالخطير، الذي لم يقدر مكانة المعلم الفلسطيني الذي واجه الاحتلال الإسرائيلي بتربية الأجيال؛ إن المعلم إبراهيم عيسى يصف قرار الفصل بالخبر المفجع.
"الوضع النفسي في أسوأ أحواله، أما المعيشي فالله وحده يعلم به" يقول عيسى لصحيفة "فلسطين"، وهو الذي قضى 30 سنة من عمره في تعليم الطلبة مساق التربية في جل مدارس "أونروا" بمخيمات اللاجئين في مدينة الخليل، جنوب الضفة.
ويتساءل عيسى: "هل هكذا يكرم من أمضى أكثر من نصف سنوات حياته داخل الفصول الدراسية؟!، وهل من المقبول أن نكون نحن المعلمين مخرجي الأجيال ضحية لأزمة مالية كما تقول "أونروا"؟!، أتمنى أن تتراجع الوكالة عن قرارها سريعًا، كي تنتهي حالة التيه والقلق التي تخيم علينا جميعًا".
ويمضي عيسى بقوله: "في السنوات الماضية أقدمت على بناء منزل جديد، بغية تزويج أولادي الكبار بعد تخرجهم في الجامعة، ولأنني لم أقدر على سداد كامل تكاليف البناء والإعمار ربطت المبالغ المتبقية بشيكات بقيمة 50 ألف شيكل، مقسمة على 2000 شيكل شهريًّا".
في السياق يقول منسق فعاليات معلمي الوكالة المفصولين في الضفة الغربية عبد الفتاح النجار: "إن أزمة الفصل ستكون لها نتائج وخيمة وآنية"، مشيرًا إلى أن العمل جار على تسوية القضية عبر مراحل عدة تضمن حقوق الجميع.
ويضيف النجار لصحيفة "فلسطين": "ستؤثر الأزمة على المستوى التعليمي في مدارس الوكالة، كون أن القضية تمس 158 معلمًا ومعلمة من أفضل الطواقم التدريسية على مستوى الضفة، إضافة إلى أن علاج الشغور الوظيفي في حال نفذ القرار سيكون على حساب جودة التعليم".
ويبين أن جل المعلمين المهددين بالفصل يعيلون عائلات كبيرة ممتدة من أبناء وأحفاد، الأمر الذي سيتسبب بمشاكل معيشية على صعيد شؤونهم الحياتية، مؤكدًا ضرورة التزام الوكالة بتقديم خدماتها كافة، وعدم المس بأي شكل من الأشكال بالقطاع التعليمي داخل مخيمات اللجوء.
وتقدم "أونروا" خدماتها الاجتماعية والإغاثية والصحية والتعليمية لملايين اللاجئين الفلسطينيين المُسجّلين لديها في مناطق عملياتها الخمس (الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان)، وتدير 711 مدرسة، و143 عيادة للرعاية الأولية.
أزمات ثلاثة
ولا تتوقف أزمة الموظفين عند صعيد التهديد بفصل 158 منهم في مدن الضفة الغربية، بل تطال كذلك قطاع غزة، بعدما أعلنت الوكالة الأممية عدة إجراءات تقشفية طالت الموظفين، في ظل أزمتها المالية التي اشتدت بعد القرارات الأمريكية الأخيرة.
وأعلنت الولايات المتحدة منتصف الشهر الماضي أنها ستجمد 65 مليون دولار من مساهمتها لـ"أونروا" للنظر فيها مستقبلًا، وعدم صرف مساعدات غذائية قيمتها 45 مليون دولار كانت تعهدت بتقديمها للفلسطينيين.
أمين سر اتحاد الموظفين في "أونروا" بغزة يوسف حمدونة يبين أن إجراءات التقشف التي تتبعها "أونروا" بدأت نتائجها الخطيرة تظهر تباعًا منذ مطلع العام الجاري، في صورة ثلاث أزمات أساسية متعلقة بقطاعي التعليم والصحة والخدمات الإغاثية.
ويقول حمدونة لصحيفة "فلسطين": "تتعلق الأزمة الأولى بإنهاء عقود العاملين على بند البطالة، الذين يراوح عددهم بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف شخص يعملون ضمن برنامج خلق فرص عمل، فمن تنتهي مدة عقده (ثلاثة أشهر) لن تأتي الوكالة ببديل عنه".
ويضيف بشأن الأزمة الثانية: "لم يثبت حتى اللحظة أكثر من 500 معلم يعملون على بند العقود اليومية، مع أنه كان من المفترض تثبيتهم وتسوية مشكلتهم في بداية أيلول/ سبتمبر 2010م في ظل وجود شواغر وظيفية في مراكز الصحة والتعليم لقرابة 500 موظف".
ويذكر حمدونة أن الأزمة الثالثة مرتبطة بإعلان "أونروا" أن موازنة برنامج الطوارئ تساوي صفرًا، "الأمر الذي يعني عدم وجود طرود إغاثية للعائلات المحتاجة بعد انتهاء الدورة الحالية، وأيضًا سيترتب على الأزمة تكدس القمامة داخل مخيمات اللاجئين في مختلف أماكن وجودهم، وستكون مؤسسات الوكالة مكشوفة بلا حراسات أمن أو أذنة بالمدارس".
وعلى وفق بيانات الموقع الإلكتروني لـ"أونروا" يعمل لدى الوكالة ما يزيد على 30 ألف موظف وموظفة، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى عدد من الموظفين الدوليين يعملون في مكتبين للرئاسة العامة في (غزة وعمان) وخمس مناطق للعمليات، وأربعة مكاتب تمثيل ومكاتب ارتباط في (نيويورك وجنيف وبروكسل والقاهرة).
ويعمل غالبية الموظفين المحليين في الوكالة معلمين ومقدمي خدمات صحية وموظفي إغاثة وخدمات اجتماعية، وموظفي خدمات إدارية وخدمات مساندة.