تواصل سلطات دولة الاحتلال الإسرائيلي احتجاز عدد من جثامين الشهداء منذ اندلاع انتفاضة القدس مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، ودون التزام بأي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية أو قانونية أو حقوقية.
وداخل ثلاجات الاحتلال لا يزال يقبع 16 شهيدًا فلسطينيًا، معظمهم من منفذي العمليات الفدائية، أقدمهم جثمان الشهيد عبد الحميد أبو سرور من مدينة بيت لحم الذي استشهد في عملية فدائية في 20 من أبريل/نيسان 2016.
ورغم أن الشهيد أبو سرور نال في وقت لاحق قرارًا من محكمة دولة الاحتلال بالإفراج عن جثمانه، إلا أن توصيات ما زالت سارية حتى يومنا من قبل جهاز مخابرات الاحتلال "الشاباك" بالإبقاء على احتجازه.
بشكل تام
تقول أزهار أبو سرور والدة الشهيد "عبد الحميد" إنها وكل العائلات التي جرى احتجاز أبنائها خلال انتفاضة القدس "يعيشون المعركة في ملف أولادهم وحيدين"، وأنه لولا حراك ذوي الشهداء الذاتي "لانتهت هذه القضية وماتت بشكل تام".
وتشير أبو سرور لـ"فلسطين" إلى أن ابنها كنموذج من الشهداء يقترب عمر احتجازه على العامين ودون حراك فعلي ملموس على صعيد السلطة الرسمية سواء بالمؤازرة الفعلية للضغط باتجاه تسليمه ودفنه أو حتى عبر التصريح الإعلامي.
وتلفت إلى أن أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم أجروا لقاءات مع رئيس الحكومة رامي الحمد الله ومسؤولين بارزين في السلطة في رام الله، غير أن المخرجات النهائية لهذه اللقاءات لم تكن سوى "مادة إعلامية مرفقة بصور".
وتنبه إلى أن ذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم، هم من قادوا الحراك الشعبي السابق، وبمبادرة منهم، بتضامن مع الفصائل الفلسطينية، مضيفة: "هناك تقصير واضح وكبير في ملف ذوي الشهداء، وكأن الملف لا يهم سوى أهالي وعائلات الشهداء الذين قدموا أغلى ما يملكون دفاعًا عن كرامة الفلسطينيين جميعًا".
وتنتقد أبو سرور تقاعس الجهات الرسمية عن هذا الملف، وعدم تبنيها له، سيما وأن هناك ما يمكن العمل عليه وبجهد قانوني قليل لإخراج كل الجثامين من الحجز، بالاعتماد على إعلان محكمة الاحتلال العليا عدم وجود أي قانون يسمح باحتجاز جثامين الشهداء.
وتساءلت: "لماذا التقصير يطال ليس فقط جثامين شهداء انتفاضة القدس، إنما كل الشهداء المدفونين في مقابر الأرقام، رغم أننا كفلسطينيين لدينا كل الإمكانية لوقف هذه الجريمة؟"، مستدلة بنجاحات جرت مسبقًا وكسر خلالها قرارات لمخابرات الاحتلال بحجز بعض الجثامين، وجرى دفنها.
جرائم جماعية
وتؤكد أبو سرور أن احتجاز جثامين الشهداء جزء من مجموعة جرائم جماعية يقترفها الاحتلال بحقهم، بناء على ما قام به أبناءهم من عمليات فدائية، بهدف إضعاف الأهالي، وهزيمتهم نفسياً، في وقت يعلم الاحتلال جيدا أن عدم مواراة أبنائها تحت الثرى من الأشياء القاسية بصورة كبيرة على النفس.
ويقول منسق "الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء" أمين البايض، إن الجهود المبذولة في سياق استرداد جثامين الشهداء هي جهود قائمة عبر مركز القدس القانوني (مؤسسة أهلية) وبدعم من الحملة.
ويؤكد "البايض" لـ"فلسطين" أن ملف جثامين الشهداء سيما الشهداء الذين جرى احتجازهم في أعتاب انتفاضة القدس، يعتريه الإهمال والتقصير من جانب السلطة الفلسطينية، والتي كان لا بد أن يقع عليها الدور الأكبر في تحمل عبء هذا الملف وتبعاته.
ويشير البايض إلى أن السلطة أهملت الملف عبر بوابة رفع قضايا قانونية على الاحتلال في المحاكم الدولية، كورقة ضغط مهمة، فيما اكتفت بدور ثانوي لمحامي هيئة الأسرى للتواصل مع محاكم الاحتلال.
ويشدد على أن ملف الشهداء المحتجزة جثامينهم، هي قضية وطنية وأخلاقية يمكن تحقيق نجاحات فيها بالضغط على الاحتلال لعدم إبقاء أي جثة لديه، وذلك عبر وجود حاضنة رسمية والتفاف شعبي وحقوقي.
وسلمت سلطات الاحتلال أول من أمس جثماني الشهيدين نمر الجمل (37 عامًا) من ضواحي القدس بعد نحو خمسة أشهر على احتجازه، والشهيد حمزة زماعرة (17 عامًا) من بلدة حلحول شمال مدينة الخليل بعد احتجازه لتسعة أيام.
ومن بين الشهداء الذين احتجزهم الاحتلال في ثلاجاته مؤخرًا المقاوم أحمد نصر جرار، وابن عمه أحمد إسماعيل جرار، فيما يحتجز من أشهر طويلة مصباح أبو صبيح وفادي قنبر من مدينة القدس.