فلسطين أون لاين

​معبر رفح يُفرِّق بين المرء وزوجه.. حيًّا وميتًا

...
غزة- نبيل سنونو

"حد يصور لي جنازة جوزي فيديو أيها الأصدقاء والصلاة عليه"؛ إلى هذا الحال أوصل إغلاق معبر رفح سيدة غزية، تمنت لو أنها تمكنت من أن تلقي على زوجها نظرة الوداع، بعدما ألقت عليه طوال حياته حبها ووفاءها.

كانت الناشطة والكاتبة دنيا الأمل إسماعيل تبذل قصارى جهدها للسفر عبر معبر رفح البري الحدودي بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية، لإيصال ابنتها للدراسة –حسبما أفاد أصدقاء لها في منشورات عبر موقع التواصل "فيسبوك"- بينما بذلت أول من أمس، ذات الجهود للعودة عبر المعبر لوداع زوجها الناشط الحقوقي بسام الأقرع الذي وافته المنية بغتة.

"يا عالم أرجوووكم أشوف زوجي أرجوووكم قبل أن يذهب"؛ صرخات وجهتها "إسماعيل" عبر صفحتها في "فيسبوك"، مسّت ضمير الإنسانية، لكن الحصار المُحْكَم المفروض على القطاع لا علاقة له بالإنسانية.

جاء ذلك بعدما كتب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، عصام يونس عبر صفحته في "فيس بوك": "انعي باسمي وعائلتي وأسرة مركز الميزان لحقوق الانسان، الصديق والمناضل والرفيق بسام الأقرع، عرفته منذ ما يزيد عن ثلاثين عاما، رجلا ومناضلا صلبا ومدافعا عن حقوق شعبه بكل قوته، ساقتنا الاقدار كثيرا لعمل مشترك وتزاملنا لسنوات كان مثالا للطيب والخلوق والصادق".

وهبّ الفلسطينيون في "مظاهرة إلكترونية" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للمطالبة بتمكين "إسماعيل" من العودة للقطاع عبر معبر رفح (جنوبا). وحملت كلمات النشطاء من الألم والوجع ما لا تتسع له قلوب البشر.

من ذلك ما نشره "الكاتب شادي عبدالخالق المصري"، من مطالبة للجهات المختصة المصرية بالموافقة على السماح "لدنيا الأمل إسماعيل" بالوصول إلى غزة وابنتها لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على الراحل، معربا عن أمنيته بأن يصل هذا الصوت والرسالة "لكل حر وشريف في هذا البلد ولكل صاحب ضمير ولكافة الحقوقيين".

كما وجه نداءه لرئيس السلطة محمود عباس، ورئيس الحكومة رامي الحمد الله، ووزير الخارجية رياض المالكي.

وقال: "كل إنسان منكم ليضع نفسه مكان تلك الزوجة المكلومة وابنتها اللتين تتشوقان لرسم قبلة على جبين رب أسرتهم قبل مواراته الثرى، كل المسميات والنياشين لا تساوي دمعة سيدة عاجزة مكسورة أغلقت أمامها السبل والأبواب ولا أحد يحرك لها ساكنا للوقوف معها ومساندتها".

"‎Ola Zanoun" كتبت عبر صفحتها في "فيسبوك": "حرم شعبنا في غزة من جميع حقوقهم الانسانية حتى حقهم في الحزن والفرح والحضن الأخير لأحبتهم# الوداع# . الله يصبركم".

وسردت "Suad Abo Khatla" قصة "إسماعيل" موجزة إياها بكلمات: "دنيا أمضت وقتا طويلا تحارب لفتح المعبر لتستطيع ابنتها اكمال تعليمها الجامعي، دنيا الآن تحارب لتودع زوجها الذي رحل عن غزة الكئيبة فجأة بنوبة قلبية، قدرنا الحصار في الحياة والموت.. يا عالم دعوها تودع رفيقها قبل أن يمضي، يا رب صبر قلبها في فجيعتها".

وتساءل "Zeyad Yassin": "هل تحرم السلطات المصرية صديقتنا الصحفية دنيا الأمل اسماعيل وبناتها من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على زوجها شهيد الوطن الناشط الفلسطيني المرحوم بسام الاقرع؟؟؟".

لكن الجواب جاء سريعا ومثَّله الإبقاء على معبر رفح مغلقا في وجهها، بينما جثمان زوجها يُصلى عليه، ويُدفن في المقبرة، ومعه "حلمها" بالتمكن من وداعه.

وكأنّ الإجابة كانت أن "لا عزاء للغزيين –المحاصَرين- حتى في موتاهم".

لم يكن بمقدور هذه السيدة سوى متابعة جنازة زوجها عبر الهاتف النقال، إذ كتبت في منشور: "زوجي في مسجد العودة في جباليا للصلاة عليه قبل السفر الأخير إلى رحمة الله يا زوجي .. كنت نعم الزوج والانسان والأب .. أدعوكم للصلاة عليه والمشي في جنازته فيما أنا أودعه الوداع الأخير على الجوال .. إلى الملتقى يا أنبل إنسان في حياتي والعزاء فوق أي كلام".

وخلال العام الجاري، أغلقت السلطات المصرية -بدواع أمنية- معبر رفح لـ43 يوما، وفتحته استثنائيا لثلاثة أيام فقط.

وينطبق حال "إسماعيل" وزوجها الراحل، على العديد من الأزواج الغزيين الذين فرق بينهم الحصار المطبق على القطاع منذ نحو 11 سنة.

بأملٍ مهترئ، يتصفح الغزي سجلات السفر عساه يجد دوره من بين الآلاف لعبور استثنائي من بوابة قطاع غزة المغلقة بشكل شبه كامل، وينتظر عالقون خارجه لأشهر وربما لسنوات حالمين بالعودة عبرها، أما "إسماعيل" فلم يعد ينفعها انتظار خبر يتيم قد يجيء في فترات متباعدة بفتح المعبر، أو لا يجيء.