أصبح الواقع في غزة كارثيا ولا يطاق، كما يقول مواطنون؛ يشكون الجيوب الخاوية بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع الساحلي، البالغ تعداد سكانه أزيّد من 2 مليون نسمة.
ليس ذلك فحسب، لقد خابت آمالهم مجددًا بعد انتهاء الجدول الزمني المتفق عليه بين حركتي "فتح" و "حماس" لتطبيق اتفاق المصالحة الموقع في 12 أكتوبر/ تشرين أول من عام 2017.
وإن كان للحصار الإسرائيلي الممتد منذ 11 سنة دور في تهويد اقتصاد غزة، فإن مواطنين تحدثت إليهم "فلسطين"، يدركون جيدًا تأثير الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة قبل قرابة عام من الآن، في انهيار الاقتصاد بغزة.
وطالت هذه الإجراءات _المفروضة في إطار المناكفات السياسية، كما يقول مراقبون_ رواتب موظفي السلطة وتعدادهم قرابة الـ70 ألفًا في غزة، تزامنًا مع إجبار الآلاف منهم على التقاعد مبكرًا.
وكان هذا مسببا رئيسا لضعف القوة الشرائية، بالتزامن مع حصول موظفي حكومة غزة السابقة على راتب بنسبة 50 بالمئة، وتقليصها إلى 40 بالمئة في الأشهر القليلة الماضية.
ويقول ربحي الحداد، الذي يبيع ألعاب وحاجيات للأطفال، إنه لم يشهد اوضاعًا صعبة ماليًا للناس، كالتي يراها حاليًا.
ويمضي الحداد النهار بطوله يوميًا في دكانه الصغير بشارع عمر المختار بمدينة غزة، رغم تقدم عمره البالغ (64 عامًا).
ويقول الحداد، وهو يتكئ على عكاز خشبي، لا يتحرك إلا بواسطته، إنه لا يحصِّل 15 شيكلاً يوميًا. فالقليل من الزبائن يقبل على الشراء".
ويعرف المسن، مسببات تردي الأوضاع الاقتصادية في غزة، ويبدوا متخوفًا من ازدياد تدهورها وانهيارها.
لكنه لا يتمنى تحت أي ظرف كان، أن تكون الأيام التي نشهدها الآن، أفضل من تلك المقبلة في ظل انسداد الأفق السياسي، والتباطؤ في تطبيق اتفاق المصالحة، التي يعتبر أنها "فرصة ذهبة، يجب ألا تضيع هذه المرة".
ويقول قصي فياض، مدير المبيعات في شركة الكترونيات محلية، إن الإقبال على شراء هذه التكنولوجيا بات ضعيفًا للغاية، وكان في العام الماضي أفضل من الآن.
والسبب في ذلك، كما يقول فياض، الأزمة الاقتصادية والتي بسببها باتت جيوب المواطنين خاوية من الأموال اللازمة لاقتنائهم ما يريدون.
ويبدوا أن فياض حريص جدًا على عدم التعامل بنظام الديون والشيكات، حتى لا يقع في متاهات مع الزبائن والمتعاملين مع الشركة الواقع مقرها قرب مقر السرايا، وسط مدينة غزة.
كما أنه لا يبدو مستعدا لتطوير عمل الشركة _افتتحت في عام 2009_ بفعل سوء الظروف المادية للمواطنين.
ويقول: في العام الماضي أنجزنا أكثر من 50 وسيلة تعليمية (الكترونية) لمدارس في غزة، لكن هذا العام لم ننجز مع حلول ثاني شهر منه، سوى 3 وسائل، كان أبرزها، مشروع روبوت سيارة، وآخر لقراءة حرار الطقس.
حتى أن الشركة المحلية، باتت تستورد مرة واحدة في العام بدلاً من 3 مرات، بسبب عدم وجود طلب على العرض المقدم لزبائن.
ويسعى جواد السوافيري، لجمع بضعة شواكل من الزبائن، ببيع أكسسوارات وبالونات للأطفال في شوارع مدينة غزة.
والسوافيري البالغ (52 عامًا)، مقعد ليس باستطاعته الحركة إلا بواسطة عربة لها مقود خاص سهل القيادة.
ويسير بين شوارع المدينة بسرعة منتظمة، وينادي لجذب المارة للشراء منه، لا أحد يستجيب.
يقول: إن بعض الأيام تمضي دون أن أبيع بشيكل واحد. والسبب أن بعض المواطنين باتوا لا يملكونه (الشيكل).
وهذا ما يتعرض له الشاب أحمد حلس (25 عامًا)، والذي يفترش الأرض في حي الرمال، لبيع بعض الفانيلات الشبابية الشتوية.
ويشكو حلس، وقد جلس بجانب بسطته الأرضية، من ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وعدم اقبالهم على الشراء.
وتتربع بسطة حلس على رصيف يشهد حركة مستمرة في حي الرمال، أحد أشهر أحياء مدينة غزة، بطول 3 أمتار وعرض متر واحد.
وتبدو ألوان الفانيلات المعروضة، جذابة تسر نظر المارين، لكن قد يمر يوم كامل لا يبيع خلاله حلس شيئًا، كما يقول.
ويمر سكان قطاع غزة بحالة فقر غير مسبوقة، وارتفعت نسبته إلى 80 بالمئة، فيما بلغت نسبة البطالة نسبة 48 بالمئة، بحسب أرقام وإحصاءات رسمية.
وبحسب الأرقام ذاتها، فإن القطاع الصناعي تراجع من 14 بالمئة إلى 6 بالمئة بفعل الحصار المشدد الذي يفرضه الاحتلال، ومنع إدخال المواد الخام اللازمة لإنعاش العملية الاقتصادية.
ويقول موظفون تابعون للحكومة السابقة وآخرون يتبعون السلطة في غزة، إن ما يحصلون عليه من نسبة الرواتب متدنية؛ وبالكاد تسد جوع أسرهم.