فلسطين أون لاين

هكذا يدافع التنسيق الأمني عن الاحتلال أولًا وأخيرًا

...
غزة- عبد الرحمن الطهراوي

لم يكن "طرف الخيط" الذي أكدت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أن أجهزة أمن السلطة في رام الله، قدمته للاحتلال الإسرائيلي في قضية ملاحقة منفذي عملية قتل حاخام إسرائيلي قرب نابلس (شمال الضفة الغربية)؛ إلا حلقة من مسلسل التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي، في ملاحقة المقاومين وصولًا إلى اعتقالهم أو اغتيالهم على يد قوات الاحتلال، بحسب رأي مراقبين.

وكانت "القسام" اتهمت الشهر الجاري السلطة في الضفة بتقديم معلومات لقوات الاحتلال الإسرائيلي، للتعرف إلى منفذي عملية قتل الحاخام المذكور.

جاء ذلك بعد استشهاد المقاوم أحمد نصر جرار، المسؤول عن عملية قتل الحاخام أريئيل شفاح قرب مستوطنة (حفات جلعاد)، في التاسع من كانون الثاني (يناير) الماضي بالضفة الغربية المحتلة.

ومنذ أن شرعنت اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير والاحتلال سنة 1993م التنسيق الأمني راحت أجهزة أمن السلطة تنفذ بنود الاتفاقية، ساعية إلى منع مقاومة الاحتلال، ومحاولة فرض عملية "التسوية" على الفصائل المعارضة لنهجها.

محطات عدة مر بها التنسيق الأمني بين السلطة في الضفة الغربية وكيان الاحتلال، تذكر صحيفة "فلسطين" بعضها في سياق هذا التقرير:

في 17 أيار (مايو) 1996م اعتقلت قوات الاحتلال حسن سلامة بعد مطاردة طويلة بمدينة الخليل جنوب الضفة، وحكم عليه بالسجن المؤبد 48 مرة، بتهمة الانتماء إلى حركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام، وسط اعتقاد بأن جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة هو الذي أبلغ عن مكان المستشفى الذي كان يتعالج فيه من إصابة سابقة.

وبعدما مرغت "خلية صوريف" التابعة للقسام أنف الاحتلال أقدم "وقائي السلطة" على اعتقال أفراد الخلية، المتهمين بقتل 11 إسرائيليًّا، وأسر وقتل الجندي في جيش الاحتلال شارون أدري.

ويواجه "وقائي السلطة" اتهامات بالتواطؤ مع الاحتلال بتسليم أفراد الخلية له في 1997م، على حاجز إسرائيلي، وذلك خلال نقل عبد الرحمن غنيمات وجمال الهور عضوي الخلية من سجن الخليل إلى سجن جنيد في نابلس.

وعقب تسليم خلية صوريف بقرابة أربعة أشهر اعتقلت السلطة محيي الدين الشريف، خليفة الشهيد يحيى عياش في هندسة المتفجرات.

وأوجعت حادثة سجن بيتونيا (قضاء رام الله) الكل الفلسطيني، عندما انسحب عناصر "وقائي السلطة" من السجن _حسب تأكيد مراقبين_ تاركين بداخله ما يزيد على 30 مقاومًا من كتائب القسام، وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب الأقصى، ما مهد الطريق أمام الاحتلال لاعتقال المقاومين، وذلك في نيسان (أبريل) 2002م.

وتعد فضيحة سجن أريحا من أبرز فضائح التنسيق الأمني، عندما أقدم الاحتلال في منتصف آذار (مارس) 2006م على اقتحام سجن أريحا التابع للسلطة، من أجل اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات ورفاقه المعروفين بـ"خلية الوزير زئيفي"، إضافة إلى فؤاد الشوبكي القيادي الفتحاوي المسؤول عن شراء سفينة الأسلحة "كارين "A، دون أي رد من أفراد "أمن السلطة" المسيطرين على السجن.

وشهد 2007م عدة عمليات ملاحقة واعتقال لمقاومين، كان أبرزها اعتقال أمين القوقا أحد منفذي عملية "أرئيل" القسامية في أواخر تشرين الأول (أكتوبر).

وفي نهاية 2007م أصدرت المحكمة العسكرية التابعة للسلطة حكمًا بالسجن مدة 15 سنة على الشابين علي دنديس وعمر طه بتهمة قتل جنديين في جيش الاحتلال، قرب بلدة بيت كاحل جنوب الخليل، في عملية إطلاق نار مشتركة بين كتائب القسام وسرايا القدس.

وشهد 2009م أحداثًا بارزة، منها الكشف عن مكان المطارد الشهيد عبد المجيد دودين بعد تعذيب وقتل الشهيد هيثم عمرو في سجون مخابرات السلطة، ثم تصفية "خلية السمان" القسامية، بحسب إفادة الموقع الإلكتروني لحماس.

أما في 2010م فاعتقلت أجهزة أمن السلطة المطارد من الاحتلال المحرر أيوب القواسمي، ثم كشفت خلية الشهيدين نشأت الكرمي ومأمون النتشة، فضلًا عن اعتقال المقاومين إسلام حامد وعاطف الصالحي بتهمة "تعكير صفو العلاقات مع (إسرائيل)"، عقب تنفيذهما عملية إطلاق نار على مستوطنين عند مفرق (ريمونيم) شرقي مدينة رام الله المحتلة.

ويسود اعتقاد على نطاق واسع بأن السلطة أدت دورًا أساسيًّا في الوصول إلى منفذي عملية قتل ضابط الاحتياط الإسرائيلي "ساريا عوفر" في مستوطنة (هبكعاه) بالأغوار الشمالية في تشرين الأول (أكتوبر) 2013م، عندما تمكنت من اعتقال أحد منفذي العملية، ثم ساهمت السلطة في كشف خلية أسر وقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل عام 2014م.

ويرى مراقبون أن للسلطة دورًا في مساعدة الاحتلال بكشف "خلية سلواد" عام 2015م، المتهمة بتنفيذ عدة عمليات إطلاق نار ضد الاحتلال في شمال الضفة الغربية، عندما اعتقل "وقائي السلطة" معاذ حامد وأحمد الشبراوي، بعد تنفيذهما عملية إطلاق نار قرب قرية قصرة جنوب نابلس، أدت إلى مقتل وإصابة أربعة من جنود الاحتلال.

وفي 2016م اعتقل جهاز "المخابرات العامة" التابع للسلطة ستة شبان بتهمة التخطيط لعمليات فدائية مسلحة ضد الاحتلال في الضفة، وعلى وقع الضغوط الشعبية وإضراب المعتقلين الستة عن الطعام أفرجت السلطة عنهم لتقدم قوات الاحتلال على اعتقالهم فورًا، وراحت الأخيرة تطارد الشاب باسل الأعرج قبل أن تقتحم منزلًا تحصن به وسط رام الله وتغتاله.

"أمن المستوطن"

من جهته يبين القيادي في حماس عبد الرحمن شديد أن التنسيق الأمني يجري منذ أن وقعت السلطة عدة اتفاقيات تبدو سياسية ولكنها أمنية بالدرجة الأولى، في اتجاه واحد فقط، "حيث يسخر أمن السلطة في الضفة الغربية كل إمكاناته للحفاظ على أمن المستوطن الإسرائيلي لا الإنسان الفلسطيني"، حسب قوله.

يضيف شديد لصحيفة "فلسطين": "لم يعد التنسيق الأمني يقتصر على نقل المعلومات، وتسيير الدوريات المشتركة، لضمان أمن بعض الطرق، مثلما كان يجري في السنوات الأولى من قيام السلطة، بل انتقل التنسيق إلى ميادين جديدة تمس عصب الشعب الفلسطيني ومقاومته".

ويتابع: "عملت السلطة على ملاحقة سلاح المقاومة ومصادرته، وإرشاد الاحتلال إلى أماكن اختباء المطاردين، أو اعتقالهم في سجونها ثم إفساح المجال أمام الاحتلال لاعتقالهم، قبل أن يصل الحد إلى تصفية بعض المقاومين مباشرة، والعمل على ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة وتجفيف منابعها".

ويرى شديد أن السلطة "غسلت أدمغة أفراد أجهزتها الأمنية، وأعيد بناء الأجهزة بإشراف أمريكي أوروبي مباشر".

ويتمم: "إن السلطة غرست في عقول أفراد أجهزتها الأمنية أن عملهم في محاربة قوى المقاومة يتماشى مع المشروع الوطني ويخدم مصالح الشعب، فبات ضابط "الأمن الوقائي" التابع لها يعلن صراحة استعداده لاعتقال والده، إن طلب منه ذلك".