فلسطين أون لاين

التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال.. القصة من البداية

...
غزة- نور الدين صالح

التنسيق الأمني السيئ الصيت وطنيًّا سياسة تنتهجها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، دون توقف، لكن كيف بدأت قصته؟، ولماذا وصفه رئيس السلطة محمود عباس بأنه "مقدس"؟

التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي ينغص حياة الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم، ويثير لديهم الكثير من التساؤلات.

أخيرًا كانت جريمة اغتيال المقاوم أحمد نصر جرار، وتأكيدات مسؤولين أمنيين في كيان الاحتلال دور السلطة في ملاحقة المقاومين والنشطاء في الضفة الغربية، ما دفع مراقبين إلى التساؤل: هل كان للسلطة دور بتنسيقها الأمني مع الاحتلال في وصول قواته إليه؟

وذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية أخيرًا أن السلطة أنشأت وحدة تنصت تعمل على خدمة الأجهزة الاستخبارية التابعة لها، وأن رئيس هذه الوحدة على اتصال مستمر مع فريق أمريكي يختص بالإشراف على عمل الوحدة ومخرجاتها المعلوماتية، ومهمتها التجسس على المقاومين في الضفة.

وعندما يقتحم جيش الاحتلال مناطق خاضعة لسيطرة السلطة في الضفة الغربية؛ تنسحب أجهزة أمن السلطة منها.

ويُعتقد أن بدايات التنسيق الأمني تعود إلى ما قبل اتفاق أوسلو 1993م، عندما أرسل الرئيس الراحل ياسر عرفات رسالة إلى رئيس وزراء الاحتلال الراحل إسحاق رابين، يعترف فيها بما يسمى (إسرائيل)، ويؤكد التزام منظمة التحرير بما يسمى "العمل السلمي" لحل الصراع بين الجانبين، ونبذ ما وصفه بـ"الإرهاب"، وإلزام عناصر المنظمة جميعًا بذلك.

وعقب توقيع اتفاق أوسلو أنشئت السلطة الفلسطينية مكبلة بالتزامات أمنية وسياسية واقتصادية.

وجاء اتفاق أوسلو لينص على وجود تنسيق أمني بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي.

ويعد هذا الاتفاق الذي تعارضه معظم فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني كيان الاحتلال مسؤولًا عن الأمن في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967م، ويمنحه إمكانية العمل الأمني هناك في أي وقت يشاء.

وجاءت اتفاقية طابا "أوسلو 2" في 1995م لتضع توضيحًا للتنسيق الأمني إذ نصت على أن السلطة مسؤولة عن منع ما أسمته "الإرهاب والإرهابيين"، واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقهم.

ونصت الاتفاقية على أن جهاز الشرطة التابع للسلطة هو الجهاز الأمني الوحيد المصرح له بالعمل في الأراضي المحتلة منذ 1967م، وأن التنسيق الأمني تقوم به لجنة مشتركة من السلطة والاحتلال، وقد أصبح جليًّا للمراقبين فيما بعد أن هذا التنسيق باتجاه واحد فقط، أي باتجاه الدفاع عن أمن الاحتلال الإسرائيلي فقط.

"عهد عباس"

"أنا ضد المقاومة أنا علنًا بحكي، أنا ضد المقاومة علنًا"، هذا هو تصريح سابق لعباس، فضلًا عن تعهدات قطعها الرجل الثمانيني على نفسه، طيلة السنوات الماضية، لمنع العمل العسكري، والانتفاضة المسلحة، مؤكدًا التزامه بالاستمرار في المفاوضات.

يقول ضابط المخابرات الفلسطينية السابق فهمي شبانة: "إن هدف التنسيق الأمني في عهد رئيس السلطة الحالي محمود عباس يعمل بالدرجة الأولى لحماية الجانب الإسرائيلي، على حساب المواطن الفلسطيني"، عادًّا ذلك "إحدى مراحل الانهزام".

ويبين شبانة في تصريحات لصحيفة "فلسطين" أن أجهزة أمن السلطة "باتت تعمل علنًا" لمصلحة جيش الاحتلال، بالإبلاغ عن أي مقاوم فلسطيني ينفذ عملًا عسكريًّا فدائيًّا ضده.

ويذكر أن التنسيق كان ينحصر بين الوزارات والمؤسسات التابعة للسلطة والاحتلال، مستدركًا: "لكنه اليوم أصبح على مستوى الأفراد، وهو ما يُشكل خطرًا كبيرًا على الفلسطينيين".

ويلفت شبانة أن موظفين أمنيين ومدنيين تابعين للسلطة في الضفة أصبحت لهم اتصالات مع ضباط مخابرات إسرائيليين، إذ تنظم بعض الرحلات والعزائم ويمدونهم خلالها بكل المعلومات عن الفلسطينيين.

ويصف سياسة التنسيق الأمني بأنها "أصبحت كالسرطان المنتشر في الجسم الفلسطيني"، مشيرًا إلى عدم وجود أي قرار سياسي حاسم من السلطة، يقضي بإيقافه نهائيًّا.

ولا يُخفي شبانة أنه خلال مسيرة التنسيق الأمني الطويلة تطوّر عمل السلطة، ليصل إلى درجة التجسس على المقاومين في مدن الضفة.

ويقول: "السلطة كانت تمتلك أجهزة تجسس على 50 جهاز هاتف للفلسطينيين، لكنها أصبحت الآن تتجسس على الأجهزة جميعًا".

ويضيف: "أصبحت الأمور الآن سهلة، فبات كل أمر يتعلق بالمواطن الفلسطيني صفحة بيضاء مفتوحة أمام الاحتلال بكل التفاصيل", مشيرًا إلى وجود مكتب ارتباط يتبع الولايات المتحدة في رام الله، يضم خمسة أجهزة أمنية مشتركة دولية وإقليمية، إلى جانب السلطة.

"خدمات مجانية"

من جهته يؤكد عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية في الضفة عبد العليم دعنا أن التنسيق الأمني مرفوض من الشعب الفلسطيني، وقواه الوطنية مطلقًا.

ويرى دعنا خلال حديثه إلى صحيفة "فلسطين" التنسيق الأمني بمنزلة "تقديم خدمات أمنية مجانية للاحتلال".

ويؤكد استمرار التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، مع صدور قرارات عن المجلس المركزي لمنظمة التحرير أكثر من مرة بوقفه.

وكان المجلس المركزي أوصى في ختام اجتماع عقده الشهر الماضي في رام الله بالانفكاك من اتفاقية أوسلو، وتبعاتها الأمنية التي إحداها التنسيق الأمني مع الاحتلال، فضلًا عن تعليق الاعتراف بكيان الاحتلال حتى يعترف بدولة فلسطين على ما يعرف بحدود 1967م.

ويبيّن دعنا أن أجهزة أمن السلطة في الضفة تنتهج سياسة إدارة الظهر لقرارات المجلس المركزي ولا تتجاوب معها، مع المخاطر والأضرار التي يتسبب بها التنسيق الأمني للشعب الفلسطيني والمُناضلين منه، واصفًا ذلك بـ"الكارثة".

وبحسب رأيه إن السلطة غير معنية بقطع علاقاتها مع الكيان العبري أو تعليق الاعتراف به، لوجود مصالح متبادلة بينهما.

ويؤكد أن "المُستفيد الوحيد من التنسيق الأمني هو الاحتلال"، قائلًا: "إن كانت السلطة جادة بوقف هذه السياسة فعليها أن تتجه إلى الشارع الفلسطيني وفصائله، وما دون ذلك لا يؤشر على وجود نية صادقة لديها".

يضيف القيادي في "الشعبية": "إن التنسيق الأمني كان سببًا في ملاحقة الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، وزجه في سجون الاحتلال، إضافة إلى اعتقال الكثير من قياداتها، كبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى".

ويبقى التساؤل القائم: هل ستنهي السلطة التنسيق الأمني على أرض الواقع بخلاف مواقفها المعهودة حاليًّا؟، يجيب أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس د. عثمان عثمان عن ذلك بالقول: "لولا التنسيق لما استمرت السلطة في الضفة".

ويضيف عثمان لصحيفة "فلسطين": "إن التنسيق الأمني مرتبط باتفاقيات، وأبرزها أوسلو، وهي اتفاقية أمنية".

ويستبعد إقدام السلطة على وقف التنسيق الأمني نهائيًّا نظرًا إلى عوامل عدة: أولها ارتباطها باتفاقيات أمنية، والثاني تحقيق ما وصفه بـ"المصالح الشخصية"، والثالث عدم قدرتها على تحمل النتائج المترتبة على وقف التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي.

ويختم عثمان: "إن الوقت الراهن هو أفضل فرصة للسلطة للابتعاد عن التنسيق الأمني، في ظل استمرار سياسات الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، ضد القدس المحتلة والشعب الفلسطيني".