"من برا هالله هالله ومن جوا يعلم الله"، لو علمتَ قائل هذا المثل الشعبي الفلسطيني الجميل لقمت بتقبيله من بين عينيه على جميل ما أبدع فقصر وأفاد واختصر وأجمع وقال فأوجز.
"النسوان النسوان" داء ليس له دواء، والحقيقة التي لا جدل فيها أنهن بنات حواء مثلي، وأني منهن وإليهن أنتمي، لكن الصدر يضيق بما لدى هذه الكائنات من قدرة هائلة على ابتكار المواقف وخلق ما يشأن كيفما يشأن وبما يشأن والله فوق كل ذي علمٍ عليم.
ماذا تعني كلمة نسوان؟ هي المرادف الوحيد والأشمل وما صحّ في معاجم اللغة العربية الأصيلة على اختلافها واتساعها من كتاب الزمخشري إلى كتاب ابن منظور فالأزهري فالجوهري فالفيروزي فكافة معاجم فطالحة اللغة إلى كلمة "البروزة".
النسوان هُن الكائنات الوحيدة التي تُجيد بروزة الأحداث والمواقف وتكبيرها وتضخيمها وتوسيعها وتمديدها حتى يكن الأمر لا يتعلق بحشرة صغيرة عابرة لا تكاد تُرى بالعين المجردة إلى أن يُصبح معضلة جسيمة لا تتمكن المخلوقات جمعاء من إيجاد حلولٍ لها.
ولا يكون الأمر يتعلق بشيء/امرئ سخيف ركيك ساذج أبله حتى تراه فجأة بدا جميلا بهيّا مشعشعا لامعا براقا، تغير جلده وبدا كأنه منزل من سابع سماء.. يا الله من كيدِ النساء.
النسوان من الخارج ملائكة بل هُن قوارير، مكسورات الجناح، لا يُسمع لصدى أصواتهن حفيف، يأكل القط عشاءهن، معنفات مقهورات منتهكات الحقوق، ومن الداخل وما أدراك ما الداخل، لا يسير أمر إلا بمشورتهن ولا يتحقق فعل إلا برغبتهن وحاشا لله إن تجرأ مخلوق على مجابهة امرأة فما له إلا أن يطلب من الله الرحمة والمغفرة.
لا تصدق أبدًا أن امرأة يُمكن أن يظلمها رجل، أو يعصيها رجل، أو يأمر عليها رجل، حاشا لله ما للرجال في هذا الشيء أمر ولا نهي، بل هم مجرد أدوات! وإن المرأة قالت أجل فللكل أن يقول أجل؛ وإن قالت لا فما بعد نهيها نهي ولا أمر.
الرجال أكثر المخلوقات صداقة ورحمة ورأفة بالنساء، وما غير الكائدات للنساء سوى النساء وقد يكون هذا ما يبرر أن كاتبة مقال يفضح عورات النساء هي امرأة، فوالله ما رأيت في حياتي امرأة على دين امرأة إلا ما رحم ربي.
النسوان هذا اللفظ الشعبي الدارج لا يعني إلا التبهرج فالتبختر فالمنظرة فالبروزة فالتباهي فالكيد فإشعال النيران فإحراق الأفئدة فابتكار الحجج فاختلاق الأكاذيب فسيل من الحيل لا تعرف طريق ابتدائه من انتهائه أين.
أن ترى وجها يألفك ويعرفك ويحبك ويودك فجأة قد تقلّب عليك، أن تجد بيتا عامرا مزهرا فجأة أصابه وابل من القهر فأظلم، أن تنام غافيا فتصحو لا تدري أشرٌّ أريد بك أم أراد الله بك رشدًا والقائمة تتسع ويضيق المجال بما رحب لإيجاد مرادف لكلمة النسوان.
والغيرة وما أدراك ثم ما أدراك ما الغيرة، رحم الله فؤاد صغيرة على خبرة الحياة إذا ما ابتليت بغيرةِ امرأة منها، فلا نوم ولا هناء ولا راحة بال ولا سراء حتى تخلق من فتاة تتورد وجنتيها خجلًا إذا ما امتدحها أبوها إلى امرأة شرسة كل همها أن تكيد وتقهر النساء.
وقد تجدهن بَدينَ لك من الوهلةِ الأولى أنهن داعيات أو يتولين مناصب ورائدات أو عالماتٍ أو كبيرات القدر والقيمة وما هُن إلا وساوس يُجِدْن نصب الفخاخ وإحداث المكائد. فتراها داعية في مسجد تأمر بالمعروفِ وتنهى عن المنكر وقد تشعل النيران في بيتها لزوجةِ ابنها أو أمِ زوجها.
أو تراها أول مَن يتشبث في المايكروفونات بمؤتمرات الحفاظِ على حقوق المرأة وانتزاع حقوقها كاملة من فكي الرجال والتنديد بالظلم الشديد البالغ الأثر الواقع على رؤوس بناتِ جنسها، وما هي إلا أجدر النساء على كيد النساء.
والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن لكل قاعدة استثناء، وأن مِن النساءِ مَن هُن الطيّبات المرهفات الرقيقات المثابرات المخلّصات الوفيات، لكن إما أنّ صاحبات تلك الموصفات قد انقرضن في زماننا هذا وأن جيناتهن انقرضت من قرونٍ أو يزيد أو أنهن ما زلن يبرقن من بعيد في دجى ليلٍ بهيم فتراهن كسراب لامعٍ في صحراء مديد.