في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة من تشديد الحصار الإسرائيلي وحالة انهيار غير مسبوقة في الاقتصاد نتيجة العقوبات التي فرضتها السلطة برام الله، تتخلى عشرات المؤسسات والمنظمات الدولية عن تقديم دعمها لغزة، ما يهدد بحدوث كارثة إنسانية حقيقية لم يشهدها القطاع من قبل.
وصنف عام 2017 كأسوأ أعوام غزة اقتصاديًّا بفعل إجراءات السلطة العقابية ضد غزة منذ أبريل/ نيسان الماضي، حيث وصلت البطالة إلى 46%، والفقر المدقع إلى أكثر من 60%، في حين يتلقى 80% من المواطنين في القطاع مساعدات إنسانية، بحسب معطيات فلسطينية رسمية، فيما توجد مؤشرات ومخاوف من زيادة الأرقام السابقة هذا العام في ظل تخلي المنظمات الدولية عن دعم غزة.
ويقدر رئيس تجمع المؤسسات الخيرية في قطاع غزة، أحمد الكرد، حجم ما تقدمه منظمات المجتمع المدني سواء الأوروبية أو الأمريكية أو الإسلامية أو العربية لقطاع غزة بنحو 400 مليون دولار سنويًا، انخفضت نسبة هذا الدعم العام الحالي بنسبة أكثر من 60%.
وقال الكرد لصحيفة "فلسطين": "إن المصدر الأساسي للمساعدات الأساسية لقطاع غزة، هي المنظمات الدولية العربية أو الأوروبية، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي كان يغطي قبل سنوات جميع كميات السولار الذي تحتاج إليه محطة توليد الكهرباء، فيما كانت تغطي منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي حتى العام الماضي المستشفيات، وكذلك هو الحال بالنسبة للبلديات التي كانت تغطيها المنظمات الدولية من خلال المساعدات والدعم".
تداعيات كبيرة
وأضاف: "لا نعلم ما سبب قيام هذه المنظمات بالتخلي عن دورها والتوقف عن الخدمات الأساسية التي كانت تقدمها لغزة منذ سنوات، وهذا يهدف إلى التضييق على غزة للحصول على مواقف وتنازلات سياسية"، معتبراً ذلك شيئًا مؤلمًا بأن يتم ربط المواقف السياسية بالحاجة الأساسية والضرورية.
وأشار الكرد إلى أن مشكلة الوقود الحالية لم تمرّ على القطاع من قبل، إذ كانت منظمة الصحة العالمية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تتدخل وتحل المشكلة.
ولفت النظر إلى أن هناك العشرات من المؤسسات والمنظمات الدولية قامت بتخفيض مساعداتها للقطاع، وبعض المؤسسات الكبيرة منها لا تقدم شيئًا الآن، "كأنه تعاون مشترك للتضيق على غزة للوصول لهذا الوضع المأساوي".
ونبه الكرد إلى أن البنك الإسلامي للتنمية بجدة والذي كان يرعى العشرات من المشاريع الإنسانية والصحية ومشاريع البلديات، يقدم الآن مبالغ قليلة.
ونبه إلى أن إعادة إعمار قطاع غزة شبه متوقفة، وأصبحت مهددة بالتسويف "وكأن المقصود زيادة آلام القطاع"، مؤكدًا أن العشرات من المؤسسات الإنسانية العربية والدولية توقفت عن دعمها وأصبحت تقدم الدعم بشكل قليل ومحدود.
وانتقد الكرد تحذيرات المؤسسات الدولية من خطورة الوضع في القطاع، فيما لا تحرك ساكنًا على الأرض لإنقاذ الوضع، مشيرًا إلى أن أزمة "أونروا" على اللاجئين ستظهر خلال الأشهر القادمة وسيكون الوضع قابل للتصعيد إلى وضع أكثر سوءًا.
أبعاد سياسية
الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، يرى أن الهدف من تخلي المنظمات الدولية عن مسؤولياتها سياسي، ويعود لوجود قرار سياسي دولي يحول بينها وبين تقديم دعمًا لغزة.
وقال الصواف لصحيفة "فلسطين": "الأمر مرتبط بقرار سياسي هدفه تركيع الشعب الفلسطيني والوصول لمرحلة عنوانها الغذاء أو السلاح والمقصود هنا سلاح المقاومة، وتمرير صفقة القرن، في ظل وجود معارضة فلسطينية للصفقة لأن فيها تصفية للقضية".
ولفت إلى أن 70% من سكان القطاع هم لاجئون، وأن الهدف تصفية قضية اللاجئين، محذرا من أن رفع المنظمات الدولية يدها عن القطاع سيسرع من الوصول إلى حافة الهاوية.
ودعا المؤسسات الدولية الداعمة لإعادة النظر بهذه السياسية، "لأن وصول القطاع لهذه المرحلة سيؤدي إلى إشكاليات كبيرة ستنعكس على المنطقة".