فلسطين أون لاين

اقتصاديون :إصدار عملة فلسطينية غير مجدٍ في ظل اقتصاد "هش"

...
نابلس / غزة - رامي رمانة

قال مختصون في الشأن الاقتصادي إن إصدار عملة فلسطينية، غير مجد في ظل اقتصاد فلسطيني "هش"، مشددين على أن اتخاذ القرار دون دراسة وتوفر وغياب المقومات، يؤدي إلى تكوين ظاهرة " التضخم العالي".

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية عبد الفتاح أبو شكر :"إن الاقتصاد الفلسطيني ضعيف وهش، يعتمد على المساعدات الخارجية، وأموال المقاصة علاوة على تحكم الاحتلال في المنافذ البرية والبحرية والجوية، وهذا الضعف لن يحمي العملة الفلسطينية".

وبين أنه في حال تقلصت المساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية من الدول العربية والغربية أو امتنع الاحتلال عن تحويل أموال المقاصة إلى خزينة السلطة التي تشكل 70% من إيراداتها، هنا ستقوم السلطة بإصدار مزيد من العملات الفلسطينية لتغطية العجز ويظهر ما يسمى بــ"التضخم العالي"، كما حدث في ألمانيا خلال سنوات 1923-1925، حيث وصل معدل التضخم العالي 1000%.

وعن الخطوات المتبعة عادة لإصدار العملة، قال إنه يتطلب قوة اقتصادية، احتياط من العملات الأجنبية، والمعادن الثمينة.

ويؤكد على أن العملة الرقمية كبديل إن لجأت إليها السلطة، غير موثوق بها، تسمح بحدوث صفقات مشبوهة، وغسيل الأموال.

وكانت الحكومة الفلسطينية أعلنت عقب اجتماعها الدوري يوم الثلاثاء الماضي أنها شكلت لجنة لدراسة الانتقال من استخدام عملة الشيكل الاسرائيلية إلى أي عملة أخرى، ودراسة إمكانية إصدار عملة فلسطينية.

ويأتي قرار الحكومة تنفيذا للقرارات التي صدرت عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الاسبوع الماضي، والتي تضمنت تكليف الحكومة إعداد الخطط والمشاريع لخطوات "فك الارتباط مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية".

قرار مصيري

المختص في الشأن الاقتصادي، أمين أبو عيشة يقول:" إن قرار الإصدار مصيري، واتخاذه يجب أن تتوفر له مرونة قواعد الإنتاج بما يضمن الاستجابة لمتغيرات السوق النظامية وغير النظامية، والتقليل من العجز الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية في الموازنة العامة وذلك لتجنب اللجوء للتمويل بالعجز وهو ما يشكل خطراً على تدهور قيمة أي عملة فلسطينية ستصدر مستقبلاً، ووجود ضمانات دولية لعدم إمكانية التزوير للعملة من المحتل".

ويؤيد أبو عيشة في حديثه لصحيفة "فلسطين" إيجاد عملة بديلة وإلغاء التعامل بالشيكل في التعاملات الفلسطينية المالية.

وقال: "جعل الدينار الأردني وفئاته هو المتداول بين الفلسطينيين في العمليات الجارية الشرائية، أو جعل الدولار العملة المتداولة، يساهم في التحلل من اتفاق باريس الاقتصادي وتحديداً الجزء النقدي".

ويستخدم الفلسطينيون العملة الاسرائيلية "الشيكل" كعملة رئيسية في معاملاتهم الاقتصادية المحلية، إضافة إلى العملة الأميركية "الدولار"، وفي أحيان نادرة، العملة الأردنية "الدينار".

وليست هذه المرة الأولى التي يُبحث فيها في إمكانية الاستغناء عن العملة الاسرائيلية، وطرح الموضوع في العام 1998.

تشكيك

بدوره، شكك أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت، نصر عبد الكريم، بقدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذ قرار فك الارتباط الاقتصادي مع الاحتلال الإسرائيلي.

وأوضح عبد الكريم في حديث لـ "قدس برس"، أن السياسات الاقتصادية التي انتهجتها السلطة الفلسطينية خلال السنوات الماضية، عقدت الخطوات لفك الارتباط مع الاحتلال وزادت من الهيمنة الإسرائيلية.

وقال إن السياسات الحكومية للسلطة الفلسطينية التي تم تطبيقها خلال السنوات الماضية لم تكن باتجاه فكفكة العلاقات الاقتصادية مع الاحتلال.

وأضاف المحلل الاقتصادي: "السياسة الفلسطينية عمقت العلاقة مع الاحتلال وزادت التبعية لـ(إسرائيل) بحيث أصبح الارتهان الاقتصادي لها أكبر، مما سيعقد إجراءات فك الارتباط الاقتصادي مستقبلًا".

ونوه إلى أن موضوع فك الارتباط الاقتصادي مع الاحتلال، قد تم إثارته مؤخرًا بسبب التطورات السياسية وانسداد أفق التسوية والقرارات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب.

وتابع: "من ناحية سياسية مشروع ومطلوب ومنذ زمن كان على الفلسطينيين أن يبحثوا كيفية التخلص من هيمنة الاقتصاد الإسرائيلي، وكان على السلطة التفكير منذ البداية في تحديد العلاقة وجعلها في أضيق أشكالها".

ورأى نصر عبد الكريم، أنه كان من الممكن قبل هذه الفترة البحث عن بدائل كان يمكن توفرها بعيدًا عن الضغوط والأزمة السياسية في هذه المرحلة.

واعتبر أن العلاقات الاقتصادية التي تطورت مؤخرًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين خدمت الاحتلال، ومعظم منافعها ذهبت له، بل وتم توظيفها وتسخيرها من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لابتزاز وتطويع الفلسطينيين سياسيًا.

واستدرك: "القدرة على الدفاع عن الخيارات والتطلعات السياسية ستكون ضعيفة إذا لم تتوفر الاستقلالية الاقتصادية".

ورأى أنه "يوجد مجالات يمكن العمل عبرها لفك الارتباط مع الاحتلال اقتصاديًا، لكن القضايا الاستراتيجية الهامة من الصعب إحداث اختراق جوهري فيها بسبب الظروف الموضوعية".

وبيّن وجود "صعوبات ومعيقات كبيرة أمام خطوة السلطة الفلسطينية لفك الارتباط، وأنه لا يمكن إحداث فك الارتباط بالكامل وفورًا بل الموضوع تدريجي وجزئي"، مؤكدًا: "لكن هناك تبعات لأي قرار وتكاليف وأثمان باهظة يمكن دفعها، والبدائل غير متوفرة في الوقت الراهن".

ولفت النظر لوجود علاقات متشعبة في مختلف المجالات؛ لا سيما العمالة والمحروقات والماء وملف المقاصة التي تشكل جزءًا كبيرًا من ايرادات السلطة، والبنوك والتجارة (...).

ودعا الخبير الاقتصادي إلى إعادة الاعتبار للتجارة والصناعة الفلسطينية، وزيادة حصة المنتج الوطني في الأسواق المحلية، وخلق نزعة استهلاكية صوب المنتج الوطني مما سيدفع لتفكيك العلاقة مع الاحتلال.

ورجح إمكانية إزاحة "عملة الشيكل الإسرائيلي" عن التداول اليومي وأن لا يصبح العملة الوظيفية التي يحملها المواطنون للصرف على احتياجاتهم الاستهلاكية، "لكن ذلك بحاجة لجملة ترتيبات وإجراء عملياتي وقدرة على التصرف في الكتلة النقدية الموجودة بالشيكل".

وأضاف أن ذلك بحاجة إلى اتفاق مع الإسرائيليين لتوفير الدولار والدينار للحيلولة دون خلق أزمة سيولة، في حين يرى أن إصدار عملة جديدة هو خيار استراتيجي وبحاجة لبحث موسع، والشروط الموضوعية الآن غير متاحة لتطبيقه.