فلسطين أون لاين

اللاجئون أصحاب البيوت المدمرة.. المعاناة المتجددة

...
غزة- هدى الدلو

من حياة التشريد بفعل آلة الحرب الاحتلالية العدوانية وما خلفته من دمار أخذ في طريقه الأخضر واليابس، إلى حياة التيه والضياع والمصير المجهول بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجميد ما يزيد على نصف المساهمة المالية الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" التي تعاني أصلًا من عجز مالي متراكم.

هذا هو حال الغزي رياض النجار، بعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي بيته في العدوان الأخير على قطاع غزة في 2014، وحتى الآن لم يتلقَ سوى وعود بإعادة إعمار منزله دون أن يرى لذلك أثرًا على أرض الواقع.

ووفقًا لإحصاءات، فقد دمر الاحتلال في عدوان 2012 على القطاع 200 وحدة سكنية بشكل كلي، و300 بشكل جزئي، فيما تضررت نحو ستة آلاف وحدة سكنية جزئيًا، في حين دمر في عدوان 2014، 2358 منزلًا بشكل كلي، و13644 بشكل جزئي.

ويسرد النجار –من بلدة خزاعة جنوب قطاع غزة- حكاية ألمه وقهره على الحال الذي ألم به: "في الحرب العدوانية الأولى على غزة أواخر 2008 تم قصف بيتي، ولم أستطِع بناءه إلا في عام 2013، وفي العدوان الأخير تم قصفه للمرة الثانية ولم يكن مر على بنائه سوى بضعة أشهر".

ويتابع: "نعيش مشردين نعاني من ويلات الحرب حتى يومنا هذا، حتى ذلك الصفيح الحديدي (الكرفان) لم يكن صالحا ليحتويني وعائلتي المكونة من سبعة أفراد".

ويصف المكان الذي يعيش وأسرته فيه، بأنه أقرب إلى حمام زراعي لا يقيهم قساوة الشتاء ولا حرارة الصيف، مبينا أنه لم يحظَ حتى ببيت بالإيجار.

ورغم وعود أونروا بمساعدته وبناء بيته، فإن ذلك يتلاشى فعليًّا بعد قرار تخفيض المساعدات، ليصبح مصيره مجهولًا، واصفًا وضعه بأنه "تحت الصفر".

وينوه إلى أنه يلجأ لأي فرصة عمل لتوفير قوت أبنائه، فقد عمل سائقًا على سيارة أجرة تدر عليه دخلا بقيمة 20 شيقل يوميًا بالكاد يكفي لإطعام أبنائه، لكنه توقف لحاجة رخصة القيادة إلى تجديد، فيما يستثمر حاليًا الأرض في زراعة بعض الخضار كالسبانخ والخبيزة، إلى جانب طرد غذائي يحتوي على بعض المواد الأساسية، ولكن أكثر ما يوجع قلبه هو عدم قدرته على توفير رسوم الفصل الدراسي الجامعي لابنته.

وكان وزير الأشغال العامة والإسكان د.م. مفيد الحساينة، صرح نهاية العام الماضي بأن إجمالي إعادة الإعمار بلغ نسبة لا تتجاوز 78%، وكان التأخر بالإنجاز الكامل في ملف الإعمار لعدم وفاء الدول المانحة بوعوداتها المالية.

آمال مبددة

ذات الحال المأساوي لدى محمد خليل وهو أحد القاطنين في ذات البلدة، فهو لا يزال يعيش للعام الرابع على التوالي مشردًا من منزل إلى آخر، دون وجود طعم لحياة الاستقرار، على أمل لتحقيق الوعود ببناء بيته الذي دمر في الحرب العدوانية الأخيرة على غزة له ولعائلته المكونة من ثلاثة أفراد.

ويوضح أن الاحتلال قصف منزله سنة 2008، ما اضطره إلى الاستدانة لبنائه، قبل أن يتم قصفه مجددا في 2014، فيما يأتي قرار واشنطن الأخير بحق أونروا، ليبدد آماله في إمكانية تحقيق الوعود بإعادة بناء بيته، وقد يصل الأمر بهم إلى عدم التمكن من دفع بدل الإيجار.

وبالكاد يستطيع خليل تدبير أمور عائلته الحياتية في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تكاد أن تنال من حياتهم لتزيدها سوءًا فوق سوء.

في السياق، يقول المتخصص في شئون اللاجئين وائل المبحوح: "جاء قرار ترامب ليعبر عن حالة تعيشها الوكالة منذ فترة وهي ضعف التمويل، وذلك كونها تعتمد في تمويلها على المنح والهبات من الدول والمؤسسات، بالتالي هو (القرار الأمريكي) إشارة قوية إلى تلك الدول والمؤسسات بالتوقف عن أو تقليل دعم وكالة الغوث ليحقق الهدف المنشود وهو انسحاب الوكالة من مناطق عملها الخمس أو بعضها على أقل تقدير".

ويؤكد المبحوح لصحيفة "فلسطين"، أن هذا القرار سينعكس على شكل تقليصات ليس فقط على أصحاب البيوت المتضررة جراء اعتداءات الاحتلال المتكررة على قطاع غزة، بل سيطال اللاجئين كافة في القطاع في مجال الخدمات والصحة والتعليم على حد سواء.

ويبين أن كل اللاجئين وخصوصًا في القطاع ستصيبهم هذه الأزمة، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة هناك، حيث اشتداد الحصار وخصم السلطة من رواتب موظفيها، وتقلص فرص البناء والإعمار.

ويضيف: "بكل تأكيد ستبقى تلك العائلات بلا مأوى خاص بها يقيها من تقلبات الزمن، حتى أولئك الذين كان حظهم جيدًا بتوفير أماكن للسكن فيها لحين إعادة بناء بيوتهم، فلربما تدفع الحاجة ومتطلبات الحياة أصحاب المساكن إلى استعادتها للاستفادة منها في تزويج ولد لهم أو بحثًا عن أجرة أكثر قيمة مما تدفعها الوكالة".

وينوه إلى أن العجز المالي الذي تتحدث عنه أونروا، لن يمكنها من أداء مهامها تجاه اللاجئين لا سيما المتضررين من الحرب العدوانية التي شنها الاحتلال، حيث يعيشون بلا مأوى، ما ينذر بتداعيات كارثية عليهم.

ويحذر المبحوح من أن أوضاع اللاجئين تزداد تعقيدًا، في ظل مساعٍ أمريكية إسرائيلية لتصفية قضيتهم عبر مشاريع التوطين، لكنه يشدد في الوقت نفسه على أن العودة هي الخيار الوحيد للاجئين الفلسطينيين.