لا يزال الشعب الفلسطيني يعيش ضمن حلقات قاسية من المعاناة والتي تبلغ ذروتها مع الحصار الاسرائيلي الذي فرضته دولة الاحتلال على قطاع غزة منذ نحو اثني عشر عاما في جريمة إنسانية بشعة يتعرض لها شعبنا على مرأى ومسمع العالم لتضاف الى سجلات جرائم الاحتلال وانتهاكاته المتواصلة والمتعاقبة والتي تبلغ جسامتها الى حدود غير أخلاقية تتعدى كل الحدود والقيم الدولية.
لقد انسحبت قوات الاحتلال من داخل القطاع في عام 2005 لتعيد انتشارها على حدوده وإبقاء سيطرتها الكاملة على منافذه الرئيسة, ليس رغبة في تحسين ظروف السكان ولا استجابة لضغوط دولية ولكن هروبا من ضغط المقاومة عليه. وقد فرض ظروفا مأساوية وكارثية على حياة المواطنين من خلال جريمة الحصار حيث يعمد الى اغلاق المعابر ومنع قطاع غزة من التواصل مع العالم الخارجي، علاوة على تسيير الطائرات للسيطرة على الجو فضلا عن المتابعة البحرية والملاحقة للصيادين من خلال البوارج الحربية التي تفتح نيرانها مستهدفة الصيادين، اضافة الى التوغلات والقصف والاغتيالات وتجريف الأراضي الزراعية.
ومنع تدفق المساعدات الإنسانية والدولية وملاحقة سفن كسر الحصار، ومنعها من الوصول الى غزة واجبارها على تغيير اتجاهها باتجاه موانئ الاحتلال. لكن الاحتلال لا يعفى من المسؤولية تجاه القطاع. فغزة وطبقا لمفاهيم وقواعد القانون الدولي هي إقليم محتل يتبع لمسؤولية الدولة المحتلة. وفرض حصار في وقت السلم يعتبر ضمن الاعمال الحربية، كذلك يعتبر من جرائم الإبادة الجماعية وهذه الجريمة احدى الجرائم التي تنظرها المحكمة الجنائية الدولية. ولا يحق للاحتلال التذرع بحجج واهية تختلف مع المفاهيم الدولية فالقانون الدولي الذي يعتبر الاحتلال عملا غير مشروع هو الذي يقرر ان الشعوب يجب ان تقاوم الاحتلال بكل الإمكانات المتاحة لديها لنيل حقوقها واستقلاها.
كما ان الاحتلال يبرر لنفسه انه سبق وان أعلن ان غزة هي منطقة عدائية وإقليم يشكل خطر عليه. فلا يوجد أي مسوغ في مبادئ واحكام القانون الدولي يبرر لدولة بشكل منفرد أن تعتبر دولة أو إقليم عدائي دون أن يصدر ذلك عن جهات دولية مختصة ومقررة بذألك.
إن ما يرتكبه الكيان هو جريمة حرب وجريمة إبادة جماعية تخالف قواعد القانون الدولي واتفاقيات جنيف الرابعةوتوجب المحاسبة والمسائلة الدولية امام المحافل والجهات المسؤولة وذات العلاقة بمقاضاة الاحتلال الذى يهدف من وراء سياساته الاجرامية الى إرهاب السكان وترويعهم وممارسة المحرقة ضدهم في حروب ثلاثة يتعرضون للقتل بالأسلحة المحرمة دوليا دونما أي مراعاة لقواعد حقون الانسان والاعلانات العالمية والاتفاقيات التي دعت الدول الى احترامها. فهذا الكيان المجرم تحلل من أي قيم او التزامات أخلاقية فهو كيان احتلالي استيطاني يسعى لتفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين لخدمة مشروعه .
ومن هنا يجب علينا كفلسطينيين وكمتخصصين ومهتمين بالحقل القانوني بذل الجهود الفعلية لملاحقة قادة الاحتلال وكل المجرمين الصهاينة الذين أوغلوا في دماء شعبنا وروعوا اطفاله ونساءه وأعدموا شيوخه وشبابه ومارسوا كل الجرائم على اختلاف صورها وأشكالها .والتي تظهر ادانتهم ومخالفتهم واضحة لكل القوانين الدولية .وعلى راسها جريمة الحصار المفروض على قطاع غزة .والذى يعتبر عدوان دون مبرر أممي وجريمة تستوجب العقاب الدولي .فالمساحة أصبحت كافية لنتحرك وليتحرك كل الاحرار والغيورين من أبناء شعبنا وامتنا واحرار العالم لنصرة قضيتنا وملاحقة هؤلاء ومسائلتهم عن جريمة الحصار.
إن الطرق امامنا واضحة فبالإمكان ملاحقة المجرمين الصهاينة من خلال المحكمة الجنائية الدولية، حتى وإن تذرع الاحتلال بانها غير ملزمة لأنه ليس طرف لكن هناك استثناءات تجبر المحكمة الجنائية قبول الدعوات والطلبات لمحاكمة قادة الاحتلال وذألك بعد ارتكابهم جرائم من شأنها أن تشكل خطرا على السلم والامن الدوليين وتخالف اتفاقيات جنيف وميثاق روما وكل الإعلانات العالمية التي تهدف الى المحافظة على حقوق الانسان وصون أدميته.
وعلى المدعى العام لدى المحكمة أن ينظر بعين العدالة لطلبات فلسطين في هذا الشأن واعتبار الجرائم ضمن اختصاص المحكمة. كما علينا تفعيل ملاحقة المجرمين الصهاينة من خلال المحاكم الأوروبية بمعنى المحاكم الوطنية ذات الاختصاص العالمي. والتي سبق أن شكلت بعض الدعوات كجهد متواضع ارباكا للقيادة العسكرية والسياسية للصهاينة في المطارات الأوروبية. فحالة فلسطين اليوم افضل من ذي قبل وخصوصا بعد انضمامها للعديد من المؤسسات والجهات الدولية ذات العلاقة.
إننا قادرون على نيل حقوقنا المشروعة من خلال هذه المحاكم وتسخير مكاتب محامين أوروبيين لهذا الغرض وبعض المؤسسات والمراكز المعنية في العالم، وأعددنا ملفاتنا التي تدين هذا الاحتلال وقيادته المجرمة فنحن لن نعدم الوسيلة وسنبقى نحمل املا كبيرا في أن نشاهد قادة الاحتلال يحاكمون بتهم جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية. ويلزمون بدفع كل التعويضات عن طبيعة الاضرار التي تسببوا بها وذلك في نطاق القانون الدولي وأحكامه الإنسانية العادلة.
فأوراق القوة وأدواتنا النضالية لاتزال في أيدينا فلنتحرك دون تردد لأننا أقوياء بإرادتنا الحرة لنيل حقوق شعبنا في أعدل قضية عرفها التاريخ المعاصر. علينا أن نبادر لنمحو ما اشتهر عن قضيتنا بأنها " أعدل قضية يدافع عنها أسوأ محامي"، لنكون أمهر محامي عن عدالة قضيتنا وحقوق شعبنا.