فلسطين أون لاين

​من غزة للعالم: جنّبوا المرضى تبِعات السياسة

...
غزة - صفاء عاشور

سمية عاصي، تلك الشابة التي أثقلتها الهموم حتى غيّرت ملامح وجهها، كيف لا وهي الأم التي احتارت ولم تعد تعرف إلى أين تذهب بطفلها مريض القلب والذي لم يتجاوز عمره ثلاث سنوات، ولم تتوقف عن التنقل به بين المستشفيات، وازداد الأمر سوءا بعد إغلاق غرف العناية المركزة في مستشفى الشهيد محمد الدرة الذي كان يخضع للعلاج فيه.

قالت لـ"فلسطين": "لا أعرف ماذا أفعل لطفلي، لا يوجد مستشفى يستطيع توفير أبسط الخدمات له، ويتم نقله منها بسبب عدم توفر الكهرباء والوقود لتشغيل المولدات الكهربائية فيه، فماذا بقي له؟"، مضيفة: "لا أجد ملاذا سوى الدعاء، خاصة أن الأطباء لا يخفون أن كثيرًا من الأقسام مهددة بالإغلاق".

وطالبت سمية المؤسسات الدولية بالعمل بشكل جاد لإنهاء الأزمة التي يمر بها القطاع الصحي في غزة، قائلة: "طفلي ليس مضطراً لدفع ثمن سياسة ظالمة لا تلتفت لقيمة للإنسان، وتساومه على صحته وقوت يومه من أجل مصالحها".

مخاوف كثيرة تنتاب الغزيين في هذه الآونة، فيما يتعلق بحصولهم على الحقوق الصحية التي ضمنتها جميع القوانين والأعراف المحلية والدولية، بعد أن تم إغلاق مستشفيات ومراكز صحية وتقليص خدمات أخرى بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات فيها، وما يزال الخطر ذاته يهدد باقي المستشفيات.. هذا الأمر بات يمثل هاجساً للكثير من الفئات التي تحتاج للعلاج وتخشى فقدانه، فماذا رسائل هؤلاء للعالم؟

أبسط الأدوية

أما رجاء موسى (22 عاما)، فهي أم تعيش حالة من القلق بشكل دائم، خاصة في هذه الأوقات والتي تزداد فيها فترات إصابة ابنتيها الصغيرتين بالإنفلونزا بشكل مستمر، ورغم بساطة الأمر وسهولة علاجه إلا أنها تواجه مشكلة في توفير العلاج اللازم لهما.

قالت لـ"فلسطين":" أعيش انا وابنتي على الكفاف، فلا يوجد مصدر رزق دائم لزوجي وأعتمد على توفير العلاج لهما من خلال العيادات الحكومية في الحي الذي أعيش فيه، ولكن في الفترة الأخيرة لم أعد أجد حتى أبسط الأدوية لعلاج الإنفلونزا".

وأوضحت أنها كانت تفضل الحصول على الدواء من العيادة الحكومية نظراً لسعره المنخفض، والذي يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة شواكل، ولكنها حاليا تضطر إلى الاستدانة من الصيدلية الموجودة في الحي لشراء الدواء.

وناشدت العالم: "إلى متى الصمت على حال الغزيين؟ متى سنحصل على حقوقنا بسهولة؟ ومتى سيحصل المريض في القطاع على الدواء دون ربط علاجه بالسياسة؟".

قلق على العائلة

من جانبه، أكد "مؤمن رجب"، الأب لسبعة أطفال، أنه يعتمد في الحصول على العلاج لأسرته على المركز الصحي في منطقته، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها كموظف حكومي لا يحصل على راتبه كاملا.

وقال لـ"فلسطين": "لم أعد أشعر الأمان، وأخشى أن يمرض أحد أطفالي أو أي فرد من أقاربي دون أن أجد العلاج له، أو أجد له مكاناً في المستشفى، خاصة في ظل التحذيرات التي نسمعها مؤخراً في الإعلام حول إغلاق المستشفيات بسبب نقص الوقود والأدوية".

وأضاف: "البحث عن العلاج في عيادات الأطباء الخاصة مكلفٌ، ويفوق إمكانات موظف مثلي، لذلك في حال مرض فرد من عائلتي لا أعرف إلى أين سأذهب به".

وناشد جميع الشرفاء في العالم، وليس في فلسطين وحدها، للعمل على إنقاذ غزة، فالقطاع الصحي يجب ألّا يدفع فاتورة المناكفات السياسية، على حد قوله.

تثبيت الحمل

القلق يسيطر في هذه الأيام على "عايدة شبير"، فهي في أشهر حملها الأولى، وتحتاج إلى حقن لمنع فقدان الجنين، لكنها تخشى من عدم توفرها في ظل الواقع الحالي للقطاع الصحي.

وقالت في حديث لـ"فلسطين": "أحمل جنيني في أحشائي وأنا لا أعرف مصيره إن لم أجد حقن (هيبارين) يوما ما".

وتتساءل: "ماذا فعل جنيني الذي لم يأتِ إلى الدنيا بعد ليلقى مثل هذه المعاملة غير الإنسانية، فحتى الدواء الذي يضمن مجيئه سليماً إلى هذه الحياة بعد إرادة الله غير متوفر، لا أعرف ماذا أفعل ولا أين أتوجه فجميع الأبواب مغلقة في وجهي"، داعيةً جميع الجهات المسؤولة إلى إبعاد القطاع الصحي عن التجاذبات السياسية.

انقطاع الدواء

من طرفه، لم يعد يستطيع "ناصر عبيد" أن يخفي قلقه من اختفاء أدوية الضغط والسكري ودواء التجلط والذي يحميه من أن يصاب بالجلطة مرة ثانية، والذي يحصل عليه من المركز الصحي الموجود في الحي الذي يسكن فيه.

وقال لـ"فلسطين": "علمت بإصابتي بالضغط والسكر بعد إصابتي بجلطة مفاجئة قبل سنة من الآن، وخلال هذه الفترة اعتمدت على الأدوية التي يوفرها المستوصف الخاص بالحي، ولكن في بعض الأحيان لا يتوفر".

وأضاف: "أضطر في كثير من الأحيان لشراء الأدوية الضرورية فقط والاستغناء عن الأخرى، فالوضع المادي للعائلة صعب للغاية ولا يمكن إنفاق المال على الدواء دون توفير الطعام والشراب للعائلة".

وناشد عبيد جميع الجهات المسئولة لإبعاد القطاع الصحي عن المشاكل السياسية ووقف إذلال الناس وحرمانهم من الدواء بسبب تواجدهم في قطاع غزة، فوجودهم في أرضهم ليس ذنبا يُحاسبهم العالم عليه.