فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

روى عذابات الساعات الأخيرة قبل الحرية

المحرر الهندي : آمال الأسرى معلقة بوعود المقاومة

...
صورة أرشيفية للأسير المحرر محمود الهندي
خان يونس - ربيع أبو نقيرة

ليست المرة الأولى التي يؤخر فيها الاحتلال الإسرائيلي عملية الإفراج عن أسرى من قطاع غزة، بهدف إفساد أجواء فرحتهم بالحرية.

الأسير المحرر محمود مصطفى الهندي (39 عاما)، والذي قضى 17 عاما في سجون الاحتلال، أحد هؤلاء الذين أَخّر ضباط الاحتلال الإفراج عنهم لساعات ليلة الخميس، بدون أي مبرر، سوى إرهاقهم وقتل فرحتهم وذويهم.

وأمام هذه الحالة، صمد ذوو الأسير وهم ينتظرون خروج الأسير من بوابة حاجز بيت حانون ، محررا، في ظل تخييم الظلام عليهم والبرودة الشديدة التي نخرت في أجسادهم، ليحملوه أخيرا في موكب سيارات من الحاجز حتى مسقط رأسه في محافظة خان يونس جنوبي القطاع.

وكان في استقبال الأسير الهندي مسلحون من كتائب القسام، ألبسوه البزة العسكرية، وطافوا به شوارع القطاع، ليصل أخيرا إلى بداية الزفة الحقيقية، حيث أحضان والدته ووالده وشقيقاته، اللواتي لم يحظين بوقت كافٍ لرؤيته والحديث معه، حتى خرج لخيمة استقبال المهنئين.

مطاردة وأسر

وبدأ الأسير الهندي مشواره في المقاومة والنضال ضد الاحتلال بداية التسعينيات من القرن الماضي، وخرج مطاردا من الوطن في رحلة طويلة، وتم اعتقاله في الأردن لمدة 9 شهور، قبل أن يتسلمه الاحتلال الإسرائيلي، وفق حديثه لصحيفة "فلسطين".

وأوضح الهندي، أن محاكم الاحتلال حكمت عليه بالسجن 10 سنوات بداية الأمر، ثم مددت السجن لمدة 17 عاما، بتهمة إصابة مستوطن بسلاح أبيض على بحر محافظة خان يونس، والمشاركة في تدريبات عسكرية.

وقال: إن "فترة الأسر كلها عذابات؛ لكن الأيام الأخيرة من الأسر تكون فيها العذابات مضاعفة، خصوصا أن السلاسل الحديدية لم تفارق يديه، وكذلك الكراسي الحديدية، واستمراره في دائرة مغلقة من التنقلات والبوسطات، حتى وصوله إلى حاجز بيت حانون".

وأضاف الهندي: "وصلت المعبر الساعة الخامسة صباحا، وتم تأخير الإفراج عني بشكل متعمد، فقد وضعني ضباط الاحتلال في غرفة وأغلقوا علي الباب، حتى العاشرة مساء، ولم يتحدثوا معي، سوى مدة لا تزيد عن ربع ساعة"، دون وجود أي داعٍ لذلك، وما حدث فقط هو لتنغيص فرحتي بالحرية واحتفاء الأهل والأصدقاء بي.

وأكد أن "الحرية لا تقدر بثمن ولا توصف بكلمات، وطالما أن هناك أسرى في الأسر فإن طعم الحرية يبقى منقوصا، خاصة أنني تركت معظم مشاعري وجزء كبير مني في السجون"، مستدركا: "تركت خلفي رجالا لا مثيل لهم في مبادئهم وتكاثفهم وحبهم وعشقهم لتراب الوطن والقدس الذي هو همهم الوحيد".

وتابع المحرر: "تركت خلفي في الغرفة الأسير الكبير نائل البرغوثي الذي أمضى 37عاما في سجون الاحتلال، -الذي تحرر في صفقة وفاء الأحرار-، ثم اعتقله الاحتلال ووجه له تهما جديدة، وأمضى محكوميته الجديدة، ولم يفرج عنه الاحتلال بعد انتهاء محكوميته التي كانت قبل ستة أيام".

وذكر أن البرغوثي مثله كمثل شجر الزيتون الفلسطيني الشامخ في السماء، المتجذر في أعماق الأرض، وهو بمثابة قائد ومربٍ وأب حنون للأسرى جميعا.

فارق كبير

ومضى يقول: "رافقني هاجس مخيف طوال تواجدي في السجن، وهو أن أفقد والدي أو والدتي أو أحد المقربين مني.. من أصعب اللحظات في السجن عندما يتوفى والد أو والدة أسير، في ذلك الوقت يخيم الحزن على جميع الأسرى، الذين يتكاثفون سويا من أجل تجاوز الأزمة".

وتابع المحرر حديثه: "لكنني اليوم أحمد الله عز وجل أن مَنّ علي بتكحيل عيني برؤية والديّ وأشقائي وشقيقاتي وأحبابي، وأتمنى ذلك لجميع الأسرى الذين يرون ما يراه الآخرون أمورا بسيطة وعادية، أمورا كبيرة وعظيمة هم بحاجة ماسة لها".

ولفت إلى أن تحرره ونقله من الأراضي المحتلة إلى أراضي قطاع غزة المحررة يعد فارقا كبيرا، مشيرا إلى أن الأسرى من خلفه بانتظار تحقيق وعد المقاومة لهم بتحريرهم في صفقات مشرفة، عنوانها العزة والكرامة.

أمانة وخيانة

وذكر أن "آمال الأسرى معلقة بوعود المقاومة لهم والتي صرحت بشكل واضح أن ما لدى كتائب القسام من أسرى الاحتلال يكفي لتبييض السجون، لذلك الأسرى كلهم، أملهم كبير بأن تصدق المقاومة وعدها، وهم يرقبون ذلك بعشق كبير".

وأوضح أن الأسرى موقنون أنه لن يتم تحريرهم إلا بالقوة ومن خلال أسر المزيد من جنود الاحتلال ومبادلتهم في صفقات مشرفة، واصفا ما حدث في السجون عندما جاءت البشائر بأسر المقاومة الفلسطينية جنودا إسرائيليين بـ"الاحتفالية الكبيرة"، خاصة أن الأمر متعلق بهم وقرب موعد تحريرهم.

وشدد المحرر الهندي على أن رسالة الأسرى التي حملوه إياها لقيادة المقاومة هي "أن ملفهم أمانة في أعناقهم وأن التخلي عنهم خيانة، ولا سيما أن هناك أسرى مرضى يعيشون في ظروف صحية صعبة جدا، وهم يتألمون في كل دقيقة من حياتهم داخل السجون، وفي تنقلاتهم، لذلك فإن ملف الأسرى المرضى يجب الاهتمام به".

هذا، وأعرب والده السبعيني -الذي انتظر ساعات طويلة على بوابة المعبر ليستقبله- عن فرحته الكبيرة وسعادته وسروره بتحرره، واصفا مشهد حريته بأنه "مولود جديد"، مؤكدا في ذات الوقت على مواصلة نجله مسيرة الكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال رغم الأسر وعذاباته.

أما والدته، تقدمت موكب حرية نجلها، وقالت: إن "شعور أم لم تحتضن ابنها لمدة 17 عاما، هو في قمة السعادة التي لا وصف لها"، وحمدت المولى أن من عليها برؤيته وحريته، والتخلص من إجراءات السجان الصعبة عند زيارته.

وتمنت الوالدة المسنة تبييض السجون من خلال صفقات مشرفة تنجزها المقاومة الفلسطينية.