الخير لا يعدم وسيلة ليزهر أثره في كل ما يقدمه الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، ومن الأمثلة على ذلك دور الفلسطينيين في الأراضي المحتلة سنة 1948م في دعم صمود القدس المحتلة وأهلها في شهر رمضان من كل عام، بتنفيذ مشاريع متنوعة، منها "إفطار الصائم".
سامر بدوي (40 عامًا) فلسطيني من الأراضي المحتلة سنة 1948م، مع أن حالته المادية متوسطة يحرص على التبرع لإحدى الجمعيات الخيرية، ليكون له سهم في إفطار الصائمين الموجودين في باحات المسجد الأقصى طوال شهر رمضان.
يبين بدوي لصحيفة "فلسطين" أنه يعمل على تقديم ما يستطيع لتلك الجمعية الخيرية، في أنشطتها كافة, ويزداد حرصه على استثمار مواسم الخير مثل شهر رمضان، مشيرًا إلى أن الصائم الذي يصل إلى الأقصى ويقضي يومه بالصيام والعبادة بحاجة إلى من يهتم به ويقدم له المأكل والمشرب.
ويلفت إلى أن هذه الأنشطة تدعم صمود اقتصاد القدس المحتلة، كون الجمعية تقدم المال لمطابخ المدينة لتجهيز وجبات إفطار الصائم، ما يسبب حركة اقتصادية قوية يستفيد منها المقدسي هو وأهل بيته.
بدوره يقول محمد نوفل أحد منسقي مشروع إفطار الصائم الذي تقوم عليه جمعية الأقصى: "إن هذا المشروع قائم منذ ما يزيد على عشر سنوات، إلى جانب مشاريع أخرى تقوم بها الجمعية على غرار "قوافل الأقصى"، وهو مشروع تسيير حافلات تنقل أهالي الداخل المحتل إلى القدس".
ويبين نوفل لصحيفة "فلسطين" أن عشرات المؤسسات تتبنى هذه الفكرة وتنفذها يوميًّا في باحات الأقصى، والبلدة القديمة، والأحياء البسيطة الحال ماديًّا بالقدس المحتلة خلال رمضان.
ويشير إلى أن المشروع ممول تمويلًا ثابتًا وقويًّا من أهالي الداخل المحتل، ولا يعتمد على أي تبرعات خارجية.
ويذكر نوفل أن الجمعية تنظم حملات قبل شهر رمضان، تعلن فيها فتح الباب أمام من يريد كفالة تكاليف نقل المصلين من الداخل المحتل إلى المسجد الأقصى، إضافة إلى المساهمة في إفطارهم حال وصولهم إليه، ومن بعض مواد الحملة الإعلانية: "إن انشغلت عن الرباط في المسجد الأقصى ففطّر غيرك"، وسيلة لتحفيز الدعم.
ويلفت إلى أن الجمعية تسير خلال العام ألفَيْ حافلة باتجاه المسجد الأقصى، نصفها في رمضان، متابعًا: "يأتي شخص ويعرض كفالة نقل حافلة كاملة، إضافة إلى إفطار مستقليها في المسجد الأقصى".
وبحسب رأي نوفل إن الدافع الأول هو عمل الخير وخدمة أهل بيت المقدس في مشروع إفطار الصائم، يقول: "فمن يأتي إلى المسجد الأقصى، من مصلين شدوا الرحال إليه من الداخل المحتل، أو من مختلف مدن الضفة الغربية، ومن القدس نفسها؛ من حقهم أن يجدوا من يسهر على راحتهم ويخدمهم"، لافتًا إلى أن بعض المصلين إنْ خرج من الأقصى فقد يعتقل، لذا لابد من وجود من يقدم له مأكله ومشربه، ويؤمن له الحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ويبين أن المشروع ينقسم إلى أقسام عدة، وهي: إفطار الصائم، وسحور المعتكفين، وسقيا الماء.
ويقول نوفل: "إن المشروع ينفذ يوميًّا بإعداد وجبات يختلف عددها حسب أعداد المصلين الموجودين في باحات الأقصى في أثناء وقت الإفطار، وينسق مع دائرة الأوقاف الإسلامية لتزويدهم بالعدد".
ويضيف: "يستهدف الإفطار المعتكفين في باحات الأقصى والقادمين إليه من مختلف مدن الضفة الغربية، الذين يصلون إليه بصعوبة"، متابعًا: "تقدم وجبات السحور لهم في أثناء اعتكافهم بالمسجد الأقصى، وهو القسم الثاني من فكرة المشروع".
أما القسم الثالث من المشروع فهو سقيا الماء، فيكون وقت صلاة التراويح التي تشهد كثافة مصلين كبيرة في الأقصى، ما يسبب صعوبة تنقلهم في أثناء الصلاة، فيقدم المشروع آلاف زجاجات الماء التي توزع من طريق مجموعات وسيارات.
وبالحديث عن العقبات التي تعيق المشروع يقول نوفل: "الوضع السياسي القائم في القدس يفرض علينا إما منع إدخال الوجبات أو المواد المصاحبة لها إلى المسجد الأقصى"، مشيرًا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي في أحيان كثيرة يمنع دخول الوجبات إلى المسجد، وتوزع على سكان البلدة القديمة أو الأحياء الفقيرة في القدس المحتلة.
ويتابع: "يحدد الاحتلال عدد الوجبات المسموح بإدخالها يوميًّا، والمواد التي يمكن أن تكون مصاحبة إليها من يافطات وقمصان للنظام، وكل شيء يمكن أن يساهم في تنظيم وترتيب عملية توزيع الوجبات".
ويلفت إلى أن الاحتلال يفتش يوميًّا _سواء أكانت الوجبات كثيرة أم كانت قليلة_ السيارات التي تحمل الطعام.
وبشأن نوعية الوجبات التي يقدمها مشروع "إفطار صائم" يبين أنه تختار وجبات يسهل تنظيف المكان بعدها، وتكون إما فطائر دجاج أو حبات البطاطس مع قطعة لحم، ومعها عصير وماء وثلاث تمرات وحبات من الفاكهة.
ويذكر نوفل أن من شأن هذه المشاريع دعم الاقتصاد المقدسي، لافتًا إلى أن جميع المواد الخام التي تدخل في إعداد الطعام والوجبات، والمواد المرافقة لها من أكياس وحافظات طعام بلاستيكية وأشواك، وقمصان النظام، واليافطات، والسيارات التي تنقل الطعام كلها تأتي من محال القدس المحتلة.
ويتمم: "هذا هدف آخر من أهداف المشروع، أن نعمل على دعم الاقتصاد المقدسي، وتقديم فرص عمل لشباب القدس (...) لنتخيل _مثلًا_ عدد الأفراد الذين سيعدون وجبات الطعام التي يتجاوز عددها آلاف الوجبات، حتى عند توزيع الوجبات يكون الشباب المقدسيون موجودين إلى جانب شباب الداخل المحتل".